للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الموشح]

للأستاذ توفيق الضوي

لقد كان الشعر في أول أمره سجعا غير مقيد بالقوافي الموحدة؛ إنما كان قطعاً قطعاً وشذوراً شذوراً كل اثنين منها أو أكثر على قافية واحدة، ثم توحدت القوافي في بعض الأوزان الشعرية انطلاقا مع الأفكار والمحاكاة، عدا الأراجيز التي بقيت مختلفة القوافي فسهل النظم عليها في القواعد والضوابط التي هي من القيود المتينة، ثم لما كثرت الأغراض وضاقت قوافي الشعر عن استيعابها عدل الأندلسيون إلى التفنن فيها فأوجدوا الموشحات غير متقيدين بالقوافي الواحدة، بل تفننوا فيها بمظاهر مختلفة ذهابا مع الأفكار وهياما في سماء الخيال. على أن للقريحة والذوق وللحس والخيال تأثيرا كبيرا على الشعر وتجديده وابتكار معانيه والتصرف في قوافيه والتلاعب بأوزانه فوق ما لتأثير السلالة والإقليم والعمران وما يتعلق بها، فلهذا كان الفرق بين الشعر العربي والأعجمي عند الأمم، ويبن الغربي والشرقي عند العرب. ومن المعلوم أن فنون الشعر سبعة: هي القريض، والموشح، والدوبيت، والمواليا، والزجل، والكان وكان، والقوما. وقيل إن الحماق منها أيضا فتكون ثمانية. وثلاثة من فنون الشعر هذه معربة ولا يغتفر اللحن فيها. وهي القريض والموشح والدوبيت؛ وثلاثة ملحونة دائما وهي الزجل وكان والقوما. وأما المواليا فيحتمل الإعراب واللحن. والآن نتكلم عن الموشح الذي هو مدا بحثنا. . .

فالموشح فن من فنون الشعر الرائعة التي توسع فيها شعراء الأندلس إطلاقا لبنات أفكارهم في سماء الخيال فأجادوا ما شاءت بلاغتهم وعنايتهم في إظهار المنظومات في قالب جديد مطبوعة على غرار جميل مطرزة بوشي لطيف حتى تفرقوا على غيرهم بهذا التصرف البديع الذي اقتبسه عنهم المغاربة فالمصريون فالسوريون فالعراقيون؛ وعم عالم الشعر العربي الذي زاده التوشيح محاكاة فوق محاكاة أوزانه المطربة، فكانت الموشحات موسيقى الشعر التي تضرب على أوتار القلوب، فتناولها الشعراء بمنتهى الإقبال والتكريم وتباروا في الإجادة في فنونها هائمين في سهولها وضروبها، راشفين من صافي معينها، واصفين مظاهر الطبيعة والعالم على اختلاف شؤونها. فالأندلس أم الموشحات، وصفاء أذهان شعرائها راس هذه الاختراعات. . . وهذا ما قال صفوان المرسي الأندلسي يصف تأثير

<<  <  ج:
ص:  >  >>