يا حبها: أأنا مخلوق بك ومخلوق لك؟. . كيف أتَّقيها ولجمالها في كل مشرق من مشارقه صورة، وفي كل صورة معنى، وفي كل معنى خلابة وفتنة؟. .
كنا على موعد أنا وهي، وكان موعدنا بين الأصيل والغروب في حديقة سميناها حديقة الحب؛ تترامى أطرافها، وترى في مكانها من بعيد كأنها عاشق برح به هواء فذهب إلى الخلاء يتفرج بالوحدة، وترى من داخلها في جوها الشعري الغزلي كأنها جنة هيئت لعاشقين
وتقوم بين أفنانها ربوة صاحية نائمة. . . صاحية بنسيمها الرفاف الممطر، ونائمة بمنظرها السكران الحالم، وتظل هذه الربوة شجرة لقاء وارفة تعانقت أغصانها فكان لها مواقف الحب والشوق. . . وهناك على هذه الربوة تحت هذه الشجرة كان الموعد. . . والتقينا
وقبل أن يحين الملتقى بساعة كنت جالساً في حجر الشجرة أترقب من خلال أوراقها احمرار الشمس بعد تمايل الأصيل، وكان كل ما في الحديقة من أشجارها وزهرها يترجرج، كأنما كان للحديقة قلب ينتظر انتظار قلبي. . .
وسرب خيالي بين أنحاء الطبيعة في أنحاء الفكر؛ أما قلبي فكان معي ولم يكن معي!!. كنت أحس انه معي يدق ويرتعش وهو مطمئن خائف، وكنت أحس أنه بعيد عني بعد حبيبتي وأنه قادم معها بعد فترة
ومرت عليَّ الدقائق ثقيلة محببة، فكانت كل دقيقة تأتي بعد دقيقة كأنها اجل يمتد إلى اجل. . .
وإني لفي غرةٍ وذهول فكر إذ رأيت الحديقة تهتز فجأة كأنما راعها رائع. . . فتبينت فإذا بنسمة وردية تنفلق في جو الحديقة نصفين وينفذ من بينهما صوت ملاك. . . وتسمَّعت فإذا بها أغنية هي فن وسحر فن، وسمعت صوت الملاك يردد:
يا حبيب القلب مالي ... شغلت نجواك بالي
وأنصتُّ فإذا الصوت يقترب شيئاً فشيئاً، وإذا الحديقة تبتسم شيئاً فشيئاً، وإذا القلب يذوب شيئاً فشيئاً. . .