لقد جاءت الحسناء. . .
جاءت تترنم بهذه الترنيمة!! ومادت بي الربوة فلم اسمع إلا رعد فؤادي، ولم أر إلا برق خيالي؛ ثم انقشعت من فوق رأسي سحابة فنظرت فرأيت الحديقة ترقص، ورأيت الحسناء قد وافت باسمة مغنية متثنية. وخيل إليَّ أن الأشجار كلها قد تجمعت وسارت جحفلاً لتحيي جمالها وتزف إلى الطبيعة في قوامها غصناً خلقه الله ليحيا، وأحياه ليظل سراً وتظل الطبيعة عاجزة عن معرفة هذا السر
ومدت إليَّ يدها وهي ضاحكة وقالت: كأنك تناديني من بعيد، فهل أنت بعيد؟
قلت: كانت روحي بعيدة شاردة، وها قد رجعت لما سمعت صوتك. . . وأنا ألان أناديك منها
قالت: لعل روحك طويلة، ولعلك تناديني من أولها. . .
قلت: بل أناديك من آخرها، ولولا انك أدركتني فأدركت آخرها لضاع مني في الانتظار كما ضاع أولها
ثم ضحكت وافتنَّ مبسمها في الضحك فقلت: كأني بالحديقة كلها تضحك في وردة إذ تضحكين
قالت: هذا رأي خيالك
قلت: ورأي عينيَّ ورأى قلبي ورأى الحقيقة. . .
قالت: إذا كانت الحديقة تضحك فلم لا أراها كما تراها؟
قلت: لأنك لا ترين ثغرك الضاحك كما أراه
فضحك وجهها كله، ويا للجمال في ضحكة الوجه الجميل!!
لقد رايته يومض وميض قبلة دانية تمتنع، ويشع شعاع قبلة ممنوعة تدنو، فقلت: وهاهي الدنيا كلها تضحك
قالت: لقد كبرت الحديقة فصارت في خيالك دنيا. . .
قلت: لا. . . بل تبسمت الدنيا من حول الحديقة لان وجهك تبسم من حول ثغرك
فأطرقت إطراقة حنين وحب، وترقرقت في مفاتن حسنها معاني هواها فكانت فلسفة الجمال بين فلسفة العواطف؛ ثم رفعت رأسها ونظرت إلى السماء فسبحت عيناها في الشفق، ثم