عادت إليَّ من غيبتها وقالت: ما ارق قلب الطبيعة، إنها الآن حانية. . . ألا توحي إليك؟. .
قلت: لقد أوحي إليّ بهذه الأبيات وأنت قادمة
قالت: ما أشوق نفسي ألان إلى الشعر
قلت: هذا هو شعر الحديقة:
صدْح البلابل فنٌّ من تغنيها ... يا سكرة اللحن لما مرَّ من فيها
البدر تفسير معنى من تلألئها ... والغصن تفسير معنى من تثنيها
كأنها آية قد أُلبست جسداً ... يحار في حسنها الرفاف رائيها
في صوتها رنة لم يعطها ملك ... تضنى قلوب الورى من حيث تشفيها
غنت فقال الهوى هذي مخلدتي ... هذي التي قدستني في أغانيها
فأسبلت أجفانها على نظرة صارخة ثم زفرت وقالت: آه منكم آيها الشعراء!! إنكم إذ تغوون لا ترشدون
قلت: وأين ألغي هنا؟
قالت: في لسانك من وراء شيطانك، من وراء قلبك. . . لقد جعلت الشعر مصيدة. . . إنك محتال شريف!!
قلت: إذا فما لشعري لم يصد؟
فسكتت هي وقالت عيناها وقالت: يا منكر الخير. . .
ثم سكتت عيناها وقالت هي:. . . ويحك
قلت: لو انك رأيت كيف كان اللحن بين شفتيك وأنت مقبلة عليَّ إقبال الدنيا على طريدها، وكيف كانت شفتاك في وجهك وكيف كان وجهك فوق قوامك، وكيف كان ميد قوامك بين ميد الغصون. . . لو انك ما رأيتِ هذا لكنتِ ألان شاعرة ولما قلت في وصف نفسك غير ما قلته؛. والله لكأن الفتنة ما خلقت إلا للمغنيات. . .
ونظرت إليها خلسة فرأيت وجهها ساكناً يحتج على أني أخطأت وعددت فتنته من فتنة غيره، ثم رفعت بصري لأخلس نظرة أخرى، فصدمتني منها نظرة حزينة وقالت: أكل المغنيات جميلات لديك؟. . .
قلت: ومن غيرك جمعت بين جمال الجسم وجمال الصوت في جمال ثالث هو انفرادها