هما كتابان، أشعر بكثير من الغبطة إذ أقدمهما للقراء على صفحات الرسالة، ذلك لأني أرى في كليهما مظهراً من مظاهر الحركة الفكرية الحديثة في مصر، جديراً بالاعتبار والعناية.
أما أولهما فأثر جديد من آثار الأستاذ عنان، والأستاذ عنان كما أعتقد، قد أصبح بآثاره وبحوثه ناحية مستقلة في نهضة التأليف المعاصرة، ذلك أن آثاره تمتاز جميعاً بما تمتاز به الآثار العلمية القيمة، من دقة البحث، مع استقامة النهج ووضوح الغاية، وقوة الأسلوب؛ هذا إلى أصالة وسلامة منطق وبسطة في العلم، تظهر كلها واضحة في تمحيص الروايات المختلفة فيما يعرض الأستاذ من حوادث وفيما يسرد من وجوه الرأي.
عرفنا له تلك الخلال فيما سلف من آثاره، وإنا لنراها اليوم على خير ما يرجى من كتابه هذا، فهو يدور حول موضوع كان ولازال مثار الجدل الشديد ومبعث التناقض والاضطراب؛ ومن ثم فهو موضوع تظهر فيه مدى قوة المؤلف ونشاط ذهنه، وحسبك الحاكم بأمر الله وحوادث عصره، وما اكتنف شخصه من غموض وخفاء.
على أن الكتاب لا يدور كله على الحاكم، بل إن نصيب الحاكم منه لا يزيد على نصفه بكثير. ولقد أحسن الأستاذ صنعا، إذ جعل بقية الكتاب لدراسة أسرار الدعوة الفاطمية وخواص العصر الفاطمي، هذا إلى ما أورده الأستاذ في نهاية كتابه من الوثائق والسجلات الفاطمية.
مهد الأستاذ عنان لبحثه بمقدمة موجزة متينة عن حال مصر قبيل الفتح الفاطمي، ثم بكلمة عن نشأة تلك الدولة في مهدها، وذكر بعد ذلك فتح مصر وأورد طرفاً من سيرتي المعز