[من غير عنوان]
للأستإذ أحمد أمين
أكلت أكلة ساء هضمها، فانقبضت نفسي، وغاضت بشاشتي؛ وتقطب ما بين عيني. . .، وسئمت كل شيء حولي، وبرمت بمخالطة الناس كما برمت بالعزلة عنهم، وكرهت السكوت كما كرهت الكلام.
ونظرت إلى العالم فتجهمته، رأيته ثقيل الروح، فاسد المنطق، يمج السمع نغماته، ويعاف الطبع منظره، وتأخذ بخناقي ألاعيبه وأحداثه.
أي شيءفيه يسر؟ إن هو إلا جيفة تنبحها الكلاب، وميتة يتساقط عليها الذباب، عدو كل ألفة، ومصدع كل شمل، يبلي الجديد ولا يجدّ البالي. ليست لذته إلا ألماً مفضضاً، ولا مسرته إلا حزنا مبهرجا!
ودعوت ربي بالسلامة جاهدا ... ليصحني فإذا السلامة داء
ما حال من آفته بقاؤه ... نغص عيشي كله فناؤه
أليس عجيباً ألا تكون لذة حتى يحدها ألمان، ولا راحة حتى يكتنفها عناءان؟!
سعيد وشقي، وفقير وغني، وذكي وغبي، ليست إلا ألفاظا اصطلح عليها، فإن أنت تأملتها لم تجد كبير فرق بين مدلولاتها:
ما الظارون بعزها ويسارها ... إلا قريبو الحال من خيابها
أكبر الناس قيمة، وأضاعها الموت وتفاوتوا في الجاه والثراء وسوى بينهم القبر!
ومن ضمه جدث لم يبل ... على ما أفاد ولا على ما اقتنى
يصير ترابا سوا علي ... هـ مس الحرير وطعن القنا!
ليست الدنيا إلا قطرة من شهد في بحار من علقم، وذرة من سعادة في جبال من شقاء يلح الدهر ببؤسه وعنته حتى إذا استيأست النفوس وبلغت الروح التراقي سخا بقبس من نعيم أطفأه برياح عاتية من عذاب!
قد فاضت الدنيا بأدناسها ... على براياها وأجناسها
وكل حي فوقها ظالم ... وما بها أظلم من ناسا
نظام كله فوضى! وحياة كلها فساد. رذيلة تسعد وفضيلة تشقى!