كلما صرفت نفسي عن الكلام في إصلاح الأزهر عاودها الحنين إليه. وكيف أنسى عقيدة أشربت حبها منذ الطلب، ومضى على جهادي فيها أكثر من عشرين عاماً، ولقيت فيها من العنت ما لقيت، وبذلت من التضحية ما بذلت، خالصاً لوجه الإصلاح، لا أبتغي بذلك عوضاً، ولا أقصد أن أجرب مغنماً
وقد قرأت ما كتبه صديقي الأستاذ الجليل محمد المدني تعليقاً على محاضرة صديقي الأستاذ الكبير محمود شلتوت، فوجدتهما يرجعان بقاء الأزهر على جموده في هذا العهد إلى الكتب القديمة، لأن الأزهريين لا يزالون يعولون عليها في جميع مراحل التعليم، ولا تزال الدراسة في المعاهد الدينية متجهة إلى شرح ألفاظها، وتضيع الزمن في مماحكاتها اللفظية التي لا طائل تحتها. وقد ذكرني هذا بما نشرته في أوائل هذا العهد على صفحات مجلة الرسالة وغيرها، وذلك حين قمت بنقد ما يشكوان الآن منه بعد فوات الوقت، فغضب لذلك من كان يناصر هذا العهد لغير الإصلاح، وكان لهذا الغضب أثره في حرماني من بعض حقوقي، فقبلت ذلك راضياً، وصبرت عليه إلى وقتنا هذا في غير شكوى ولا تألم، لأن من ينصب نفسه للجهاد لا تؤلمه التضحية، وقد يسر بها كما يسر أصحاب اللبانات بقضائها. ولو أن الصديقين الفاضلين ضما صوتيهما إلى صوتي في ذلك الوقت لكان لذلك منا شأن آخر، ولم ينظر إليه تلك النظرة التي قوبل بها صوتي، لأنهما كانا محل الثقة من رجال هذا العهد، وكانت كلمتهما مسموعة عندهم
وما علينا من هذا كله، فما نريد الآن إلا أن نبين كيف نصل الآن إلى إصلاح الأزهر، وقد مضى على معالجته نصف قرن أو أكثر، وهو ما يقرب إلا ليبعد، ولا يسهل أمره إلا ليعسر. وهانحن أولاء الآن لا نزال كما كنا قبل معالجة ذلك الإصلاح، نألف الجمود ونعض عليه بالنواجذ، ونقف من الإصلاح الذي يقضي على هذا الجمود موقف المعارض المعاند. ولا يزال اللذين يؤمنون بيننا بهذا الإصلاح يعدون على الأصابع، وليس لديهم من القوة ما يمكنهم أن يقضوا به على ذلك التعصب للجمود، وقد بذلوا من التضحية في