للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من ذكريات لندن]

دعاية. . .

للأستاذ عمر الدسوقي

في العراق شباب ملء يومه ملء غده، يتقد حماساً لوطنه وعروبته، ويدأب ليل نهار في الدعاية لنفسه وقوميته؛ عرفته فعرفت الثورة الملتهبة المتأججة، والنفوس الطماحة المتوثبة، نفض عنه غبار القرون، واستيقظ فالتفتت الدنيا ليقظته، ثم زأر فارتاعت الأفلاك من زأرته؛ أينما حل فمعمعة ونضال، أو ضجة وجدال.

وفد على مصر منذ عشرة أعوام أول بعث للفتية العراق، ليطفئوا صدى نفوسهم من كوثر العلم، وينشروا بين أبناء الكنانة فكرة جليلة سامية، تشبعت بها نفوسهم، وامتزجت دماؤهم، وتراءت لهم في الحلم عزة وقوة، وفي اليقظة عظمة وفتوة؛ ولكن راعهم أنا بنهضتهم جاهلون، وعن دعوتهم معرضون.

دعوا للوحدة العربية، فألفوا قلوباً غلفاً وآذناً صماء وعقولاً سيطرت عليها فكرة الفرعونية، وبلبلتها السياسية المصرية؛ فلم ينكصوا على أعقابهم، أو يقنطوا من نجاحهم، بل طفقوا يبدون دياجير هذا الجهل، ويعرفون أبناء النيل ببلاد تعجب بهم، وتعلم عنهم أكثر مما يعلمون عن أنفسهم، ويرسلونها صيحة من فؤاد مؤمن بما يدعوا إليه، موقن بأن هناك من سيستجيب له: أن تعالوا إلى كلمة تجمع شملنا المبدد، وتعيد إلى الحياة مجدنا الغابر، وتحلنا بين الأمم مكاناً عالياً، يبعث في قلوبهم الهيبة والرهبة، ويغدوا شجي في حلوق الطامعين، وقذى في عيون المستعمرين، ويحبط كيدهم ويبطل إفكهم؛ فينشدون ودنا بدلاً من عدائنا، وحلفنا عوضاً عن استعمارنا.

لبى ندائهم من فطن إلى ما انطوت عليه جوانح المستبد الغاصب ورأى في تلك النزاعات الإقليمية هوة سيتردى فيها أبناء العروبة وهم في غفلة ساهون؛ فما البربرية، والفرعونية، والفينيقية، والآشورية، إلا شباك نصبها الطامع الشره ليحول بيننا وبين الوحدة المنشودة التي يخشى أن تزلزل الأرض تحت قدميه، وتضع السيف والنار أمام عينيه، إن عاد إلى ما ألف من عبثه بهذه الديار وذويها أو لم يمزق أوصال الشام، وقد مرت عليها العصُر وهي لا تعرف من دواعي الفرقة شبحاً، وهي تلك الصخرة الشماء من العزة والإباء،

<<  <  ج:
ص:  >  >>