للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تنحسر عنها أو أذى الكائدين كليلة خائبة؟

عزة عليه وقد خرج من معمعان الحرب نشوان بحميا الظفر أن يرى ديار العروبة تتحفز للوثوب، وتجثم للنهوض، فعالجها بضربة خالها قاضية، وفرقها أباديد، حتى لا تطمع في قوة أو تأمل في عزة، وحتى لا تعيد على مسرح التاريخ تلك الأنفة والحمية والأيد والجلد والاستهتار بالموت، في سبيل الكرامة والشرف والعقيدة، أيام أن حشدت أوربا جموعها وشنتها حرباً شعواء على هذه الديار باسم الدين، فأصبحت العراق في قبضته، ومصر في حوزته، والشام أشلاء ممزقة. فما فلسطين وسوريا، ولبنان، وجبل العلويين، وجبل الدروز، والإسكندرونة، إلا أعضاء جسد واحد كان من قبل رمزاً للجد والنشاط والشهامة؛ وأخذت طرابلس الغرب تسير وئيداً في سبيل الفناء، وأحال تونس والجزائر بلاداً لا هي شرقية ولا غربية، فمسخت مسخاً، وتبلبلت ألسنة بينها برطانة لا هي فرنسية فتفهم، ولا هي عربية فيفخروا بها، وعمد إلى مراكش فكان للإسلام والعروبة كيداً، وحاول أن يهدم هذا الدين بعرف قد عفت عليه القرون ولا يصلح لحضارة ولا يبعث رقياً.

فطن من لبى نداء هؤلاء الفتية الأخيار إلى كل هذا، وإلى أن ذاك التراث المجيد قد كان بالأمس منبعاً للنور والمجد والرحمة والإنسانية، يفيض على الدنيا وقد جللتها سحب الجهل والظلم، وإلى أن هذه البلاد على تباين أسمائها تلهج بلغة واحدة، وتعتز بتاريخ واحد اشتركت فيه البؤساء والضراء، وتشعر بشعور واحد، وتنحدر من اصل واحد.

وإذا لم تكن اللغة أداة التعبير ورمز التفكير ووسيلة تصوير الشعور والوجدان، عاملاً من عوامل الوحدة وتأليف الأفئدة، فما يكون؟

وإذا لم يكن التاريخ والأدب والدم، صلات وثيقة، توحد بين الصفوف، والأهداف والغايات، فماذا يكون؟ أسسوا جمعية صغيرة متواضعة تدعو إلى ذلك الغرض النبيل السامي، وتعمل في إخلاص على توثيق عرى المودة بين أبناء العروبة في مصر، فانضوى تحت لوائها شباب طاهر بريء من نزاعات الأحزاب القديمة وحزازاتها الشخصية.

ولكن ما لبث أن سعي إليها الشيوخ يريدون أن يسخروها لأهوائهم؛ وطفق هؤلاء يستهوونها بالمال، وهؤلاء يمنونها بالتأييد، وهي بين ذلك تلقى من السخرية والتهكم ما يضعضع العزائم الثاقبة، ويثبط الهمم الصارمة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>