يا طالما كنت أعتذر لهؤلاء الرفاق عما يبديه بنو جلدتي من جفوة وإعراض، وأقول: إنهم متى فرغوا من صراع العدو الغاصب، ونفضوا أيديهم من نزاله، فيسمدون إليكم الأيدي طواعية، وستنفتح قلوبهم لدعوتكم الرشيدة، إن راموا عزاً ومجداً لهم ولبلادهم؛ فلا تهنوا ولا تحزنوا، وثابروا على جهادكم، فإن جلائل الأمور لا تنجز بين طرفة عين وانتباهتها.
غادرت مصر، ونزلت مدينة (إكستر)، ووفد علينا جماعة من العراقيين يطلبون العلم بجامعتها فقلت: ها. . . إن الميدان قد تحول من ضفاف النيل إلى ربوع إنجلترا، ولكن وا أسفاه!، قد استمرأ هؤلاء الفتية حياة اللهو والدعة، فإذا دعوتهم إلى الجد وضعوا أصابعهم في آذانهم وأصروا واستكبروا استكباراً.
ثم رحلت إلى لندن، ووجدت فيها نخبة طيبة من أبناء العراق وفلسطين، قد اتخذوا الجد قبلة يولون إليها وجوههم صباح مساء، وحرصوا كل الحرص على أن يملئوا كنائبهم لا بسهام محطمة من الخزعبلات والدنايا، ولكن بالثقافة العالية والدراسة المجدية؛ حتى يكونوا في ساحة الجهاد أولى قوة وبأس شديد، حتى يحطموا عن شرقنا المسكين هذه الأغلال التي كبلته، وعاقته عن النهوض والرقي زمناً طويلاً؛ حتى ينازلوا الجهل بالحكمة، والأفن بالعقل، والميول النابية والأحقاد المزمنة والأغراض الحقيرة، بالصرامة الحازمة والعقيدة الجازمة.
أجمعوا أمرهم على تأليف جمعية عربية في لندن، تبث تلك الدعوة الصالحة بين شباب العرب، وتقرب بين آمالهم وأهدافهم فإذا ما تشربتها قلوبهم، واطمأنت إليها ألبابهم، كانوا رسل الوحدة العربية في ديارهم، وتعرف الإنجليز بنا، وبحضارتنا، ونهضتنا. ثم بدا لهم أن يكونوا كذلك لفلسطين جنوداً على ضفاف التاميز يهبونها من حرارة إيمانهم، وثمار عقولهم، ما شاء لهم حبهم الطاهر لبلادهم، وقصدهم النبيل في إسعادها.
لليهود في إنجلترا سطوة وقوة، وتجارة واسعة عريضة نامية، ودعاية سديدة منظمة، ينفقون عليها الأموال الطائلة؛ ولهم في دار النيابة خطباءهم أمراء البيان، يذودون عنهم بكل ما أوتوا من قوة وفصاحة.
وأنى لنا، ونحن شباب لا تظاهرنا حكومة، أو يشجعنا ثري أو تشد أزرنا سفارة، مباراتهم في الدعاية التي آمن بها الإنجليز عامتهم وخاصتهم لكثرة ترددها على أسماعهم، اللهم إلا