- إني لا أميز بين النُّهُر والليالي، ولا أعرف فارقاً بين الأشهر والسنين، لأن تيار الزمن الذي يتراقص العالم على متن أمواجه تراقص العُصَافةِ والعساليج ساكن لدي. إني في هذا الكهف المظلم وحيد، مغمور في نفسي؛ والليل الأبديّ ساجٍ كبحيرة في جبل خائفة من عمق ذاتها؛ والماء يرشح ويَنْقُطُ من الشقوق، والضفادع القديمة سابحة في البُركِ. فأجلس مترنماً بترانيم العَدم؛ وحدود الكون تتناءى خطّاً إثر خط. أما النجوم فإنها تنطفئ انطفاءَ الشرر المتطاير من سندان الزمن؛ وأما سروري فهو سرورُ الإله (شيفا) الذي يستيقظ بعد دهور يقضّيها في حلمه فيجد نفسه وحيداً في قلب الفناء الذي لا حَدّ له. إني حرّ طليق. إني أنا هو الأحد الصمد العظيم. إني إذ كنتُ عبدَكِ يا أيتها الطبيعة: سَلْطْتِ قلبي على ذاته، وجعلتِهِ يثير حرب الانتحار الشعواءَ في عالمه. وقد أثارتْ فيّ سَورْة الغضب تلك الشهوات التي لا غاية لها غير نهش ذاتها والتهام كل ما يقترب من أفواهها، فركضْتُ ركضَ المجانين في مطاردة ظلي. لقد سقتِني بأسواط ملذاتكِ الخاطفةِ إلى خلاء الشبع، ومشاعر الجوع، وقادَتني دوماً مغرياتُكِ إلى القحط الذي لا انتهاء له حيث انقلب الطعام إلى تراب واستحال الشراب إلى بخار!
وإلى الوقت الذي كان فيه عالمي مُبقعاً بالدموع والرماد أقسمتُ بالانتقام منك يا أيتها السيدة التي لا حَدَّ لمظهرها وتنكّرها. لقد لذْتُ بالظلام، معقل اللامتناهى، وكافحتُ النور الخادع يوماً فيوماً إلى أن فقد جميع سلاحه وارتمى منخذلاً عند قدمي. والآن، وأنا منعتق من رق الخوف والشهوات؛ الآن، وقد زال الغمام وانبعث من عاقلتي نور الطهارة والذكاء. فَلأخرج