للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[للحقيقة والتاريخ]

٢ - بين آدم وحواء

للدكتور زكي مبارك

أرجع ثانيةً إلى الغرض من هذه الأحاديث فأقول:

كتاب شيث بن عربانوس يؤرخ عهد آدم في الجنة وعهده في الأرض، وكان ذلك لأن المؤلف قريب الزمن نسبياً من هذين العهدين؛ فقد ولد في العام الثاني بعد انحسار الطوفان، وإذا فهو أقدم نسلٍ حفظته الأرض بعد نجاة من نجا من قوم نوح، وأول عقلية علمية في ذلك العهد البعيد، إن صح إنه شخصية حقيقية من شخصيات التاريخ

ولكن ما قيمة هذا الكتاب؟ وما وزن حديثه عن آدم وحواء؟

عرضته على دار الكتب المصرية وعلى مكتبة وزارة المعارف وعلى مكتبة الجامعة المصرية فلم أجد من يعترف بقيمته التاريخية، وإن كان مكتوبا بالخط الكوفي. . . وهل كنت أجهل أن الطعن في صحته من الممكنات؟ إنما كان همي أن أنتفع بثمنه، وأن أمكن الجمهور من الاطلاع على ما فيه من مقاصد وأغراض، ولكن الأمل في الانتفاع بثمنه أمسى خيالاً في خيال، ولو ثبت إنه نسخة قديمة من نسخ الإنجيل، وهل زكتني سفارة غربية أو شرقية حتى أبيع من المخطوطات ما أشاء. . .؟ أنا مصري وآبائي مصريون، فكيف أنتفع من مصر باسم العلم والأدب والتاريخ؟

ألم تسمعوا حديث الأجنبي الذي استمصر في سنة ١٩٣٧؟

كان أحد الأجانب يدرس إحدى اللغات الحية بالمدارس الأميرية وبالمرتب الذي يتقاضاه الأجانب من المدرسين، ثم لاحت له فرصة للتجنس بالجنسية المصرية، فأسرعت وزارة المعارف وردته إلى (الكادر) الذي تعامل به المدرسين من المصريين، كأنه انتقل من الهدى إلى الضلال؛ وكان الظن أن تراه انتقل من الخوف إلى الأمان!

وإذا كانت المتاعب تلاحق من يستمصر من الأجانب، فكيف تصنع بالمصري الأصيل؟!

إلى الله يشكو المصريون شقاءهم وعناءهم من التغاضي عن حقهم في الانتفاع بثمرات البلاد!

إلى الله نشكو الغربة في الوطن الغالي، ومنه نستمد العون على مكاره الزمان!

<<  <  ج:
ص:  >  >>