في أوائل سنة ١٩٢٩، احتفلت جامعة غرناطة بذكرى الخلافة الأندلسية لمناسبة مضي ألف عام على قيامها فكان أول حادث رسمي من نوعه ينم عن تطور عميق في تقدير إسبانيا النصرانية لتراث الأندلس المسلمة
وتاريخ الإسلام في الأندلس مرحلة باهرة في تاريخ إسبانيا القومي، بل أعظم مراحله وأسطعها، فقد لبث العرب في إسبانيا زهاء ثمانية قرون أنشئوا فيها أعظم حضارة عرفت في العصور الوسطى، وكانت وحدها مدى هذه العصور مورد النور والعرفان لأمم الشمال؛ وأخرج المسلمون من إسبانيا بعد أحقاب من الكفاح المتواصل، فتركوا في إسبانيا طابعهم الخالد؛ وما زالت آثارهم الباقية تشهد بعظمة عصرهم وحضارتهم، وما زالت الحياة الاجتماعية الإسبانية تنم في كثير من نواحيها عن تأثير العرب ورسومهم وتقاليدهم.
ولكن إسبانيا النصرانية لم تقنع بسحق الأندلس المسلمة، واستعادة آخر بقعة للإسلام في إسبانيا، بل رأت غداة ظفرها أن تطارد الإسلام بكل ما وسعت، وأن تمحو كل رسومه وآثاره من صفحة حياتها، وأن تدفن ذلك الماضي المجيد إلى الأبد، وأن تعتبره محنة قومية نزلت بها، وأن تمحوه من صحف تاريخها القومي؛ وتأثر التفكير الإسباني بأهواء السياسة المتعصبة، فأشبع بهذه الروح المجحفة؛ ولبث الأدب الإسباني عصورا يشيع بلعناته المتواصلة عصر الإسلام وتراثه، وكل ذكرياته؛ ولم ينج التاريخ من هذه النزعة المغرضة، فطغى التعصب على المرحلة الإسلامية من تاريخ إسبانيا القومي؛ وكتب المؤرخون الأسبان تاريخ العرب في إسبانيا بروح عميق من التحامل، وجعلوا جل اعتمادهم على الروايات النصرانية القديمة التي تفيض بمختلف الأكاذيب والتهم، ولم يفكروا في مراجعة المصادر الإسلامية والانتفاع بها؛ ذلك أن إسبانيا النصرانية أصدرت منذ غداة ظفرها حكمها على المغلوب، ولم ترد بعد ذلك أن تسمع صوتاً للأندلس الذاهبة، أو أن تراجع ذلك التراث الذي تعتبره رجساً، وترى فيه عنوان عصور مشئومة، مليئة بالمحن القومية.
وبهذه الروح كتب أكابر المؤرخون الأسبان تاريخ إسبانيا، فكتب ماريانا في عصر شارلكان تاريخ إسبانيا العام، وخصص منه مجلدين كبيرين لتاريخ الأندلس، ولكنه كان