في سجل الثورة المقدسة صفحات مشرفة من المجاهدة والتضامن، والمفاداة. . يجدر بالقوم أن يرجعوا إليها، وأن يقفوا عندها يتأملون ماضيهم، ويتدبرون حاضرهم، ويرسمون مستقبلهم: ليربطوا حلقات جهادهم الموصول.
كانت مصر يومئذ تمتحن بنار الثورة، وكانت الطريق واضحة، والأهداف واحدة، فلم يكن أبالسة الاستعمار (وسماسرته) قد جعلوا من كراسي الحكم أصناماً بعد. .
وأراد اللورد كيرزون أن ينال من وطنية المصريين، وأن يغمز ثورتنا أمام العالم. . . وكانت جهودهم في لوزان وفرساي قد أثمرت، وأقفل سدنة السلام وحراس العدالة أبواب مؤتمر الصلح في وجه مصر - هذا، ولم يكن المداد الذي سطرت به أنشودة الدكتور ويلسون قد جف. . تلك الأنشودة الجميلة، بذات الألحان الأربعة عشر التي كانت الأفيون الذي خدر الرأي العام في الشرق مدة الحرب الأولى. فلما وضعت هذه أوزارها ظن المصريون أن حقوقهم ستكون موضوع الاعتبار. . وإن هي إلا معركة فقهية بيننا وبين الإنجليز. . ولكن القوم نازلونا بسلاح غير شريف، وحملوا أعضاء مؤتمر الصلح على إهانة العدالة؛ وأذاعت (دار الحماية) في مصر اعتراف ويلسون بالحماية البريطانية على مصر. . ولم يفت ذلك في أعضاء المصريين، ولم يزد الهار المقدسة إلا اشتعالا، وبذل الأعمام أموالهم وارواحهم في تطهير الأرض الحرام من برابرة الغرب، وعصابات الاستعمار.
وأعلنت الأقدار هزيمة القوة فصرح اللورد كيرزون أن ثورة مصر إن هي إلا حركة معلولة يرتجلها الغوغاء. . . ولو قد كانت هذه الحركة جديدة لاشترك فيها الموظفون وهم صفوة الامة وأرشد عناصرها، وفي هذا السبيل أثنى على المظفين أجمل الثناء لأنهم لم ينقطعوا عن أعمالهم أثناء الثورة التي اجتاحت البلاد.
وحاجَّنا السير وليم برونيت فادعى أن الأقباط لم يستجيبوا لدعاة الإضراب، وأشاع الثناء على الموظفين، والإشادة بحسن سلوكهم.