لاشك في أن من أهم نهضاتنا التي نتواثب فيها الآن ومن أبرزها نهضة الآداب: فلقد زاد عدد المقبلين على الأدب العربي والذين يعالجونه في هذا العصر بقدر عظيم، كما أعليت مكانته، وأبعدت أغراضه، وتلونت فنونه. وبعد أن كان يضطرب في أضيق مضطرب، ويتقلب في أفسل المعاني، ولا يستشرق إلا للضئيل التافه من الغايات من المديح الوضيع الذليل، ومن الغزل المصنوع المتكلف، ومن فخر مكذوب لا يمت إلى مفاخر العصر بسبب، ومن وصف مفترى على الطبيعة، فلا هو مما ينتظم الواقع، ولا هو مما يخلع عليه الخيال الصناع صورة الواقع، ومن هجو تتلقط فيه المعايب والمقاذير من هنا ومن هنا لتعفر بها وجوه الناس عفراً. ونحو ذلك مما كان يجول فيه الأدب في الجيل الماضي، على وجه عام، وتتجرد في طلبه والتشمير له جمرة المتأدبين. على أنه لم يكن له أي حظ من وجدان ولا من جيشان عاطفة، وكيف له بهذا وهو لم يذك له حس، ولم يخفق به قلب، وإنما أمره إلى حركة آلية لا تكاد تعدو في مذهبها تلك الحركة التي تنبعث بها الصناعات اليدوية. إلى أن تلك المعاني، إذا صدق أن مثل ذلك مما تطلق عليه كلمة المعاني، لقد كانت، في الكثير الغالب، تجلى في صور مترهلة متزايلة، لا يقوى بناءها أو يشد متنها شيء من جزالة اللفظ ومتانة الرصف، وتلاحم النسج، ولا يجتمع لتزيينها وتبهيجها شيء من حسن الصياغة وإشراف الديباجة وجمال النظام!
ولقد قيدت هذا (بالكثير الغالب) لأن ذلك الجيل الماضي لم يخل من كتاب ومن شعراء أغلوا حظ الأدب، ففسحوا في أغراضه، وأبعدوا في مطالبه، وحلقوا بمعانيه، وأبدعوا في البيان، فاتسق لجلالة المعاني شرف اللفظ، وبراعة النظم، وإحكام النسج، وكذلك استوى من المنظوم والمنثور كليهما كلام يترقرق ماؤه، ويتألق سناؤه. ورحم الله إبراهيم المويلحي وإبراهيم اللقاني وأضرابهما في الكتاب، ومحمود سامي البارودي وإسماعيل صبري في الشعراء، فقد هدوا إلى حسن البيان السبيل
وإذا كان الأدب يتمثل لأدباء هذا الجيل في صورة أبدع وأروع من الصورة التي كان