الثقافة أو تلك، ونريد قبل كل شيء أن نوحد جهودنا المعنوية في مقاومة الغزو الذي لا مناص من قيامه في معاهدنا ومدارسنا؛ ذلك هو الغزو الإنكليزي؛ ولن يكون ذلك إلا بالعمل على تعزيز اللغة العربية وتقدمها، وتعزيز عناصر الثقافة القومية في صدور الشباب. ومن حسن الطالع أن هذا الغزو الإنكليزي المنظم لعقولنا لم يصادف كثيراً من النجاح رغم استئثاره في عصر ما بجميع المواد والدراسات؛ ذلك لأننا نشعر دائماً بما وراءه من الظروف والاعتبارات التي لا يرتاح إليها ضميرنا القومي، ولأننا نشعر دائماً أنه غزو مفروض علينا في معنى من المعاني. وليس معنى ذلك أننا لم نجن غنما علمياً من دراسة الإنكليزية، ومن التثقف بثقافتها، فقد جنينا بالعكس منها فوائد جليلة، ولكنا نعتقد أن هذا الغنم يكون مضاعفاً لو أن مصر استطاعت أن تتحرر من كل نفوذ معنوي، وأن تختار لنفسها ما شاءت من ألوان الثقافات المختلفة التي تحقق أمانيها الوثابة دون أن تجني على بنائها وتقاليدها القومية؛ ونحن على يقين من أنه يوم يتاح لنا مثل هذا الاختيار الحر، لا نستطيع أن نرى في الإنكليزية إلا أنها في مقدمة اللغات والثقافات، ولا نجد غضاضة في أن تكون هي اللغة الأجنبية الأساسية، وأن تكون أداة لسد كل نقص نشعر به في دراستنا
والخلاصة لا نجد غضاضة ولا ضرراً في إلغاء الفرنسية من برامجنا الدراسية والقضاء على هذا التنازع في النفوذ العقلي في معاهدنا، وتحرير اللغة العربية بذلك من أحد عناصر المنافسة التي لا مبرر لها، والتي ما زالت تشعر بوطأتها. بل نرى من الخير ومن الواجب معاً أن تقاوم البلاد كل ألوان هذا الغزو الثقافي الأجنبي ما استطاعت خصوصاً ما كان منه ستاراً لبث نفوذ معين يتخذ من آن لآخر وسيلة لتحقيق مختلف الغايات والمصالح؛ ولسنا نفرق في ذلك بين غزو وغزو ونفوذ ونفوذ؛ فالفرنسي والإيطالي والألماني كالإنجليزي يتخذون من بلادنا مسرحاً لهذه المنافسات الخطرة؛ وإنه لمن خير مصر وسلامها أن تقاوم هذا الغزو المعنوي دائماً وأن تعمل على تحطيم عناصره وأسلحته ما استطاعت