للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الزمن]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

حدث مرة أني سافرت فجأة إلى أوربا من غير أن يعرف أحد من أهلي وأصحابي - عزمت على ذلك وأمضيت العزم فكانت هذه الرحلة التي لم تكن لي في حساب قبل يومين اثنين. وأسباب ذلك كثيرة يطول شرحها. وركبنا الباخرة فما كان يمكن أن اذهب إلى أوربا سابحاً، ومضى يوم وثان وإذا بفتاة ممن عرفناهن على ظهر السفينة مقبلة علي تقول:

(هل ضبطت الساعة؟)

ونظرت إلى ساعتها الصغيرة على معصمها ثم رفعتها إلى إذنها فقلت: (دعي هذا لي فإني حاد السمع مرهفه. . هاتي يدك واسمعيني)

قالت: (يظهر انك لا تسمع إلا ما تريد. . لقد سألتك الآن هل أصلحت ساعتك؟)

فقلت وأنا أتعجب: (أصلحتها؟. . ومن الذي قال إن ساعتي خربت؟. إني أؤكد لك أنها من أحسن الساعات. . كانت لرجل ممن يكثر المال في أيديهم يوماً فيذهبون يشترون كل ما يخطر لهم على بال، ويصبحون في اليوم الثاني وقد صفرت أكفهم فيرهنون ما اشتروا أمس أو يبيعونه. . صاحب هذه الساعة شاء أن يرهنها، ثم لم يؤد ما اقترض عليها، فاضطر الصائغ اليهودي أن يبيعها. . ولا أحتاج أن أقول إنك ترين الرجل الفاضل الذي اشتراها منه)

فألقت إلي ابتسامة عذبة أدارت رأسي دورة جديدة - وأقول الحق إنها هي التي كانت سبب سفري إلى أوربا فجأة - وقالت: (لاشك أنها ساعة معرقة في الفخار. . ولكنها تحتاج الآن إلى إصلاح)

فقلت ببساطة: (أبداً. .)

فقالت: (أسرع. . رد العقربين)

فدهشت وقلت: (أردهما؟. . لماذا؟. .)

قالت: (نعم. . . ردهما. . . أخرهما ساعة. . . لو كنا في الشتاء لوجب أن تؤخرهما ساعتين)

قلت: (اسمعي. . . لو أمرتني أن أرتد طفلاً، وكان هذا في وسعي، لفعلت بلا تردد، وبلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>