عمن يضارعون نوابغ القرن العشرين في العلم والاختراع والموسيقى والفن كافة فلا يجدوا بينهم أنداداً لهم يضارعونهم كثرة وقيمة؛ وإن العصر الحديث مع هذا ليفهم قصائد شكسبير خيراً مما فهمها معاصروه، ويقدره خيراً مما قدروه، ويمثل رواياته أكثر وأجمل وأبرع وأكفل بالإقبال والإعجاب مما كانوا يمثلونها في حياته
أذكر أنني رأيت منذ سنوات في إحدى الصحف الإنجليزية صوراً لبعض العظماء الغابرين في أزياء العصر الحديث، شفعتها الصحيفة بهذا السؤال: هل تعرفهم؟
وحق للصحيفة أن تسأل سؤالها الآن. لأن الصور التي رأيناها لأولئك العظماء قد سلبتهم كثيراً من الهيبة وبددت ما حولهم من هالات الفوارق والمسافات التي يوحيها اختلاف المظاهر والأزياء.
وإن حاجتنا اليوم لشديدة إلى متحف يستعرض لنا عظماء الأمس في أزياء اليوم، وعظماء اليوم في أزياء الأمس، لنعرف مقدار ما تضيفه إلى الغابرين من هيبة الفوارق والمسافات ومقدار ما نسلبه المعاصرين من جراء الألفة والمقاربة
فإن تعذر علينا أن نرسم ذلك المتحف عيانا فلنرسمه بالظن والتقدير. ولنرجع إذن إلى مقاييسنا وموازيننا نلمس مواضع الزيادة والنقصان فيها، ونصلح جوانب الغلو والبخس في كفاتها، ونغنم تصحيح الميزان في الحكم على الرجال والأزمان، لأن هذا التصحيح غنيمة أنفس وأجدى من تفضيل نابغ على نابغ أو ترجيح جانب على جانب. إذ لا ضرر ولا قصور في اختلاف التفضيل والترجيح متى صحت النظرة واستقام القياس. تلك هي الحقيقة فيما يقال عن ندرة البطولة والنبوغ بيننا كما أراها
أما تواتر القول بندرتها بين جماعة من الناقدين منهم أناس فضلاء محبون للإنصاف فله أسباب قد نعود إلى تفصيلها ومناقشتها