ما عرضه لنا العصر الحاضر في غرام ملك الإنجليز السابق وصديقته السيدة سمبسون. فماذا عندنا من الأدلة على إن غرام هيلانة في طروادة المزعومة كان أعجب وأدنى إلى البطولة من هذا الغرام؟
وليس في تاريخ بني الإنسان عصر واحد عرض لنا من أطوار الشعوب ما عرضته لنا الثورة الأسبانية والثورة الروسية من قبلها وعرضته معها الثورات في مصر والهند والصين. فماذا عندنا من الأدلة على إن عصر الثورة الفرنسية أو عصور ثورات اليونان والرومان كان لها نصيب من العجب وجلائل الخطوب أوفى من هذا النصيب الذي شهدناه؟
وليس في تاريخ بني الإنسان عصر أنجب في كل أمة نموذجاً يمثلها كما أنجب عصرنا سعد زغلول وغاندي وسون ياتسن وشيان كاي شيكر وفيصلاً وابن سعود
وليس في تاريخ بني الإنسان عصر فيه ما في عصرنا من الحقائق التي تشبه الخيال، والعبر التي تشبه نوادر الأمثال، والشواهد التي تتعدد على كل ملاحظة من ملاحظات النفس الإنسانية والبواعث القومية والطوارق السياسية. فعندنا وعلى مسمع ومشهد منا مصداق كل رأي حام في ذهن فيلسوف، وتطبيق كل مذهب دعا إليه داعية قديم أو حديث في عالم النظريات
وليس في تاريخ بني الإنسان مخاطرات أهول ولا أنبل من مخاطرات ركاب الطيارات والمظلات والغواصات المتفجرة والسفن المدمرة التي يقع فيها الخطر كل يوم ويقع فيها الإقدام كل يوم، ولا مبالاة بالموت ولا بالخطر كأنهما رياضة من اللهو أو لعبة من العاب الرهان
فإن كنا لا نسمي ما نبصره ونسمعه عجائب وروائع ولا نحسبها معارض للبطولة والنبوغ فقد غيرنا الأسماء وقد بدلنا اللغة، وقد أصبحنا مطبوعين على النظر إلى البعيد دون النظر إلى القريب
نعم إننا ننظر حولنا إلى عظيم في الشعر من طراز شكسبير فلا نرى له نداً بين الشعراء المعاصرين. ولكن النوابغ من طراز شكسبير تتساوى فيهم جميع العصور ولا يستأثر بهم القرن الذي نبغوا فيه، وهكذا كان أبناء القرن السادس عشر خلقاء أن يبحثوا في زمانهم