للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مملكة الشمس]

أو

للدكتور جواد علي

من الفلاسفة من يأبى خيالهم إلا أن يسمو من عالم الأرض إلى عالم السماء؛ ومن هؤلاء الفيلسوف الإيطالي توماس كامبينيلا صاحب مملكة الشمس المملكة المثالية التي افترضها هذا الفيلسوف لتكون المملكة الفاضلة من بين الممالك البشرية والنموذج الأعلى لكل الممالك التي تصورها العقل البشري بلا نقص أو هنة من الهنات. كان هذا الفيلسوف من الطليان الحركين الذين كانت لهم روح لا تستقر على حال. لم تعجبه حياة الرهبنة والتقشف على شدة تعلقه بمبادئ الدومينيكان. ولم يقبل بأن يسجن الإنسان نفسه حراً مختاراً في قبعة ضيقة بين الأسوار والجدران باسم الرهبانية والدين. وقد دفعته هذه النزعة إلى الخروج على تقاليد جماعته وعلى الانضمام إلى زمرة السياسيين الثودويين الذين كانوا في مدينة نابولي يجاهرون ملك الأسبان بالعداء؛ فسجن مقيداً في محبس المدينة المظلم مدة ستة وعشرين عاماً ونصف، وعذب سبع مرات.

ومملكة الشمس التي أراد أن يقيمها هذا الفيلسوف مملكة تستند على الأسس والمبادئ الفلسفية التي تصورها أفلاطون في جمهوريته ودولته. ولكنه اختلف عن أفلاطون في شدة اعتنائه بالتنظيم، وبالجزئيات، وبتوزيع الأعمال على حكام هذه المملكة وعلى الأتباع، وقد اختلف في نظريته عن النظرية المثلية التي تصورها الفيلسوف الإنكليزي توماس موروس من ناحية مبدأ الحكم في هذه المملكة. فمملكة توماس موروس مملكة اشتراكية ديمقراطية النزعة تأخذ بمبدأ الانتخابات فيها، ولحرية القول والاعتقاد نصيب وافر. أما مملكة الفيلسوف الإيطالي فهي مملكة اشتراكية أيضاً ولكنها تمثل نظر العقلية الإيطالية إلى الحكم خير تمثيل. هي النموذج الصالح لنظر العقل الإيطالي إلى الحكم، لا محل فيها للحرية الفكرية ولا للعقيدة، ولا مجال فيها لإبداء الرأي أو الاعتراض. كل شيء يدبره الفلاسفة وهم الحكام. وكل شيء فيها قد نظم وقنن وضبط وعين حتى الأكل والشرب وساعات العمل وطراز الأنس والطرب.

يتصرف في شؤون مملكة الشمس حكيم ميتافيزيقي يدعى هوه أو سول انفرد من بين

<<  <  ج:
ص:  >  >>