للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من الحوادث الأدبية]

روزفلت في مصر

للأستاذ محمد سيد كيلاني

في شهر مارس سنة ١٩١٠ جاء مستر روزفلت رئيس جمهورية الولايات المتحدة سابقا إلى مصر عن طريق السودان بعد أن أمضا فترة في الصيد في غابات السودان. ونزل في أسوان والأمصر وزار ما فيهما من آثار.

وقد أراد المحتلون أن ينتفعوا بنفوذ روزفلت الأدبي في تثبيط همم المصريين وأضعاف عزائمهم حتى يرضوا بالاحتلال وينصرفوا عن طلب الاستقلال. فأوعزوا إليه أن يخطب مطريا الحكم البريطاني محبذا بقاءه. فقام في الخرطوم وألقى خطبة أشاد فيها بمزايا هذا الحكم وفوائده؛ كما أشاد بمزايا الدين المسيحي وفضائله وتواترت الأنباء بهذا إلى أذهان المصريين فتأثر الرأي العام بما سمع. وقد نظم المرحوم أحمد شوقي قصيدة فريدة هي قصيدة (أنس الوجود) وأهداها إلى الرئيس الأمريكي مرفقة بخطاب جاء فيه (. . . أنت اليوم تمشي فوق مهد الأعصر الأول، ولحد قواهر الدول. أرض أتخذها الإسكندر عرينا، وملأها على أهلها قيصر سفينا، وخلف أبن العاص فيها لسانا وجنسا ودينا، فكان أعظم المستعمرين حقيقة وأكثرهم يقينا. وهو الذي لم يعلم عليه أنه بغى أو ظلم أو سفك الدم أو نهى أو أمر إلا بين الرجاء والحذر، من عدل عمر، الذي تنبيك عنه السير.

(قمت أيها الضيف العظيم في السودان خطيبا فأنصت العصر، والتفتت مصر، وأقبل أهلها بعضهم على بعض يتساءلون: كيف خالف الرئيس سنة الأحرار من قادة الأمم وسواس الممالك أمثاله فطارد الشعور وهو يهب، والوجدان وهو يشب، والحياة وهي تدب في هذا الشعب. ومن حرمة العواطف السامية ألا تطارد كأنها وحوش ضارية، على صحراء أو بادية، كما طارت السباع بالأمس نقما من طبائعها الجافية. . . الخ) وقد وفق شوقي في هذه القصيدة توفيقا كبيرا وأجاد إجادة تامة. ولا ريب في أن عاطفته القوية وإحساسه المتدفق وشعوره الفياض كان حافزا له على التجويد. واهتم الشاعر في هذه القصيدة بالتنويه بمجد مصر القديم وحضاراتها ومدنيتها وما كان فيها من العلوم وما تركه الأقدمون من العمران. وقد كان قوي الأسلوب متين العبارة. وأراد الشاعر أن يكسب عطف هذا الرجل الأمريكي

<<  <  ج:
ص:  >  >>