للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الرئيس القوتلي في نظري هو من آخر من يستأهل الرحمة من كافة طبقات الشعب، لا لأنه السيد شكري القوتلي صاحب الصفحات المسطورة في تاريخ الجهاد الوطني منذ انبثاق هذا القرن، ولا لأنه صاحب الجلد القوي والعزيمة الجبارة في محاربة العثمانيين ومقاتلة الفرنسيين والاستعانة عليهم بالألمان تارة وبالإنجليز تارة أخرى، ولا لأنه كان (الحركة المستديمة) كما كنا نسميه، وأذ كان يقطع آلاف الأميال متنقلا بين الشام ومصر والحجاز والرياض واليمن في العمل المتواصل لاستقلال سورية وإزاحة نير الفرنسيين عنها، ولا لعشرات من الحسنات تسطرها الوطنية له بحروف من الفخر، وبرغم هذه الحسنات وسواها مما يعرفه له كل سوري؛ أقول أنه إلا يستأهل الرحمة ولا الغفران لأنه أجرم في حق نفسه، ثم في حق وطنه ثم في حق دستور بلاده؛ ولذلك يحسن أن يستمع إلى نصيحة الأمة تقول له بمودة وإشفاق (اذهب أيها الإنسان إلى منفاك لأنك لعبت دورك ففشلت).

الحكم الدستوري تقليد لا تخليد، ولكن السيد القوتلي وهو أول رئيس جمهورية لسورية المستقلة، قد عبث بالدستور، وسخر نواب الأمة فجعلهم يفتعلون له مادة في صلب القانون الأساسي تبيح إعادة انتخابه للرئاسة أكثر من مرة. فهذا العبث الصارخ جرأ الأمة على الاستهانة بدستورها وعلى تحويره وتبديله كلما طاب لشيطان من الشياطين إشباع شهوته من الحكم، وهذا العبث الإجرامي هو الذي مهد السبيل للانقلابات الثلاثة. وهو الذي حمل ضباط الجيش على ذبح بعضهم بعضا. وهو الذي بذر بذور فتنة أسال الله أن تختنق في مهدها. وهو الذي ألقى (خيوط الحرير في الشوك) وقال لأعدائه أن يتشبثوا بمطالبة الحكومة القائمة بإلغاء الدستور، ومحو القوانين التي سنها النواب للمحاكم، واعتبار ما قام على الفاسد فهو فاسد، وإعادة ما كان أيام حكمه السعيد إلى ما كان عليه، وأن يسرحوا النواب ورئيس الجمهورية ويتبعوهم ليعود فخامته إلى مقر حكمه، وصولجان ملكه.

قليل من العقل يا رجال دمشق. قليل من الرصانة التي عرفتم بها، لا تضيعوا الوقت في مماحكات أفلاطونية وعنعنات لا طائل تحتها، إن سورية لا تموت وهي ما برحت تنجب الرجال؛ فلا تعبدوا الأصنام ولا تبكوها إذا هوت وانطرحت في الرغام،

حبيب الزحلاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>