وسمعت أشياء كثيرة عن الحكومة القائمة تؤيد قول أبن الوردي القائل:
أن نصف الناس أعداء لمن ... ولي الأحكام هذا إن عدل
وسمعت الإطناب في امتداح أعمال الوزير السابق السيد خالد العظم لدقته في تصريف الأمور الإدارية على أكمل وجه، وسمعت نقدا لعدم على قدرته الجمع بين دقة الإدارة ودقة السياسة، وسمعت من يعطف عليه ولم أرى من بكى بعده عن الحكم.
ورأيت ناسا يبكون حسني الزعيم، لا لصفات فاضلة فيه، بل لأنه كان يريد أن يعمل، ولأن الشعب قد سمع أن صلاح الشعوب متوقف على وجود (مستبد عادل) وكان مرجوا أن يكون الزعيم ذلك (الرجل المنتظر) ولكنه ذهب فليرحمه الله، وليحسن إليه.
وسمعت من يهلل للسيد شكري القوتلي ويتحزب له، ويطالب بعودته إلى الحكم، ورأيتهم يغسلون آثامه بدموعهم، ويطهرونه من الخطيئات بنيران قلوبهم، ويغتفرون له ما تقدم من جرائمه وما تأخر من أجرامه، ونسوا أنهم هم الذين هللوا يوم أسقطه الزعيم من أريكة الرياسة، وهم الذين كبروا يوم سجنه الزعيم في سجن اللصوص والقتلة، وهم الذين طلبوا رأسه، وهم الذين نصبوا الزينات في شوارع البلد ونشروا ألوية الفرح ابتهاجا بسقوط شكري القوتلي الذي فعل كذا وكذا وكيت وكيت.
كل حاكم في كل بلد صنم يعبده الناس ويرجمونه، ومن سخرية الزمن أن عباد الحكام ينقلبون إلى كافرين ومجرمين، وان أتباع الحاكم يتطورون ساعة سقوط الحاكم إلى زبانية ومجدفين ثم لا يلبث غضبهم أن يؤول إلى رحمة وشفقة بالحاكم الصريع، يقيلون عثاره، ويمسحون دموعه، وينشفون عرقه، ويضمدون جراحه، ويواسون آلام نفسه، ثم يهملونه وينسونه.
هذه صورة لمصير كل حاكم في كل شعب، وفي كل زمان، ولكن هذه الصورة لا تنطبق على حال السيد شكري القوتلي بدليل أنه بعث بعد أن مات، وتقمص بعد أن فنى وأضمحل.
وأنا أقول إن الذي يهوى ويسقط لا تقوم له قائمة. وأن الصيحات التي نسمعها هنا وهناك، فينة بعد فينة، إن هي إلا صراخ صبية في ريعان الصبى ترملت بعيد الزواج معناه الإعلان الصريح عن حياة جديدة مع زوج جديد، أما الزوج الميت فلا يبعث.