للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[درس للزعماء في سيرة زعيم]

لَلأستاذ سعيد الأفغاني

في حياة خالد بن الوليد الحافلة بالبطولة والرجولة، درس للصغير والكبير؛ غير أن ما يحيط بنهضة العرب اليوم من تناحر على الغنائم، والمعركة لم تنته بعد، يحتم أن نعرض لعبرتين في سيرة الفاتح العظيم، فيهما درس بليغ، ينتفع به من في قلبه حبة خردل من إخلاص. وكذلك التاريخ أيها القارئ يسعفك كلما كلب الزمان وحرب العدو، ولن تعدم منه أبداً سراجاً يضيء حاضرك ويبصرك بالسبل وينجح لك المساعي، ويريك بم كان تقدم المتقدمين وفوز الفائزين، وبم كان التأخر والذلة والخسران

أما الأولى من العبرتين، فهي أن خالداً من أبطال قريش وصناديدهم، بل هو البطل فيهم لا يعدله غيره. أظفر الله المسلمين بالمشركين يوم بدر، فكان عليهم عار الأبد، وأصبحوا بهزيمتهم سبة بين العرب؛ فما قر لهم قرار، حتى تألبت جموعهم في أحد، متعطشة إلى الثأر، ثم تقع الواقعة فينهزمون أيضاً. ويريد ربك أن يصاب المسلمون بعد نصرهم، لتكون لهم الهزيمة بعد الظفر درس الأبد، فلا يخالفون رئيساً بعدها أبداً. ثم لا يفطن إلى خلو الجبل من الرماة إلا خالد اليقظ، فيحيط بالمسلمين - وهم لاهون بالغنائم - من خلفهم، وينتعش المشركون حينئذ، وتكون المصيبة في المسلمين بالغة؛ فكانت هزيمتهم، وكانت الفرحة الكبرى لقريش أن ثأروا لقتلاهم يوم بدر، ورفعوا عن أنفسهم العار، وكان أن ذهب بفخر هذا اليوم كله خالد.

هذا القائد الباسل الذي طارت شهرته في أهل الشرك والتوحيد على السواء، وقع في قلبه أن الإسلام حق، فرمى بالقيادة والشهرة جانباً، ووطن نفسه على الأذى يناله من قريش، الذين سيحنقون أشد الحنق، وقصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقبله مسلماً في المسلمين، وقد سأله في طريقه عمرو بن العاص: (إلى أين يا أبا سلمان؟) فقال: (والله قد استقام الميسم، وإن الرجل لنبي، أذهب والله فأسلم؛ فحتى متى؟!)

ألا يجد رؤساء الناس وزعماؤهم في هذه عبرة ودرساً، ألا يدعون نصرة أهوائهم وإرضاء نفوسهم، ليقبلوا على أمر تبين رشده فيتبعونه؟ إن الناس لينظرون إليهم، وإن الله لسائلهم عن الوطن والدين يتجرون بهما، وعن العامة يلعبون بعقولهم، وقد أعطوا الله موثقاً:

<<  <  ج:
ص:  >  >>