للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ليكونن مع الحق حيث كان، وليقومُن بنصرته وحده لا نصرة نفوسهم ونزغاتهم. جمعهم وطن واحد فراموه أجزاء وأشلاء، واستعدوا الأجنبي المتربص بهم ليحفظ عليهم رياساتهم الواهية، فنال هذا فريسته بسلاحها، وكانت هذه الأثرة الدنيئة أفتك بالبلد من كل غارة. ثم انتظم أمورهم دين واحد فأبوه إلا شيعاً وفرقاً وطرقاً، فبادر الأجنبي يعلن حمايته لكل فرقة على حدة ويعترف باستقلالها عن أختها، ويبالغ في تشجيعه على التفرق، وفي تفكيكه عرى الطائفة الواحدة حتى عم البلاء وطم. وهانحن أولاء نرى في قطر عربي صغير كسورية، ثبتاً حافلاً بأسماء طوائف لو وزعت على أهل الأرض ما نجت من شر فتنتها بقعة، وفي كل يوم فرقة جديدة وحماية سريعة

إن خالد بن الوليد طوح بالقيادة والفخر والظفر والمجد وأقبل على النبي واحداً من المسلمين، ونحن لا نكلف هؤلاء السادة طرح شيء فستبقى عليهم زعاماتهم، وسيرجعون أعز ما كانوا إن جندوا أنفسهم في خدمة الحق والخير

وأما العبرة الثانية التي يجدها الزعماء في سيرة خالد، فغاية في إنكار النفس وبذل الروح وإماتة الهوى

أسلم خالد وأبلى البلاء الحسن في كل غزواته مع النبي، ثم في حربه المرتدين، وتوطيده دعائم الوحدة في الجزيرة، ثم في سيره إلى العراق، وانتصاره على الفرس الانتصارات الآخذ بعضها بحجز بعض؛ فمن قهر جيوش، إلى دك عروش، إلى فتح حصون، إلى خطف قواد، إلى قتل أبطال. . . مآثر لو طلب بهن الخلافة لما ساغ في العقل أن يختلف عليه فيها اثنان. ثم يبعثه أبو بكر مدداً إلى الشام ثم يكون يوم اليرموك، وقد بلغ الروم في التعبئة غاية كيدهم وفنهم: عدد كثير، وشجاعة فائقة، واستبسال واستماتة، حتى لقد سلسل رجال منهم أنفسهم للموت بسلاسل من حديد، وقيد آخرون أنفسهم لئلا يفروا، ثم يكون رأى خالد توحيد العمل معلناً في خطبته البليغة المشهورة، ثم جولات منه صادقات، فإذا بالعدد الضخم من الروم يهوى إلى الواقوصة كالبناء المتداعي، ثم يتصل الظفر حتى يكون يوم دمشق، وقد ولي الخلافة عمر، ووصل بريده يعهد إلى أبي عبيدة بالقيادة، ويجعل خالداً جندياً من الجنود؛ وهنا العبرة، وهنا يبدأ الدرس:

في هذا الموقف يختلف خالد وزعماء اليوم، أما زعماء اليوم - من أمتنا طبعاً - فدستورهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>