للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الكلمة المشهورة التي نجمت في مصر على ألسنة بعض الناس: (الحماية على يد فلان، ولا الاستقلال على يد فلان)، فلو كانوا مكان خالد لانشقوا بجند عظيم وحاربوا أبا عبيدة ومن معه، ثم ظفر الروم بالفريقين معاً وارتدت الدعوة العربية إلى الحجاز، ثم لا يُدرى أيكتفون أم ينبتون الجزيرة كلها خلافاً وتناحراً. وأما خالد داء الجيوش وقاهر الروم والفرس معاً، فقد كان رجلاً فوق هذا: انضوى إلى لواء أبي عبيدة وأخلص النصح والعمل، ولم يُر أحد أكثر جهداً وانكماشاً وبلاءً منه يومئذ أمام أسوار دمشق. لم ينم عن العدو ساعة قط، ولا فاته من حركاته صغيرة ولا كبيرة، فهو أبداً مقدم منطلق، وهو إلى ذلك يقلب وجوه الحيلة، ويعمل الفكرة كأنه لم يزل هو القائد، حتى هداه النظر إلى نصب السلالم على السور، فالتمس غفلة الحامية في يوم عيد فصعد عليها وطائفة من خيرة الشجعان فواثبوا الحراس ونزلوا إلى الباب فقطعوا إغلاقه بسيوفهم. وقد فتح المسلمون دمشق بحنكته ويقظته واقتحامه وحده لا شريك له في ذلك، ولم يبال أن يكون فخر هذا الفتح لأبي عبيدة أو لغيره، فما عمل خالد لزعامة ولا شهرة، عمل لله وحده وقد رضي الله عنه وأرضى الناس. وأولئك قوم نزع الله ما في صدورهم من غل إخواناً

هذا بدء تاريخنا، أم النهاية التي ختمناه بها نحن: فسلسلة من التفريط وتضييع الفرص، وعبادة النفس والاندفاع مع الأهواء. في سبيل ذلك ضحى المتزعمون بخير البلاد خيراً بعد خير. لنرجع عشرين عاماً إلى الوراء فلننظر: كم مرة خسرنا مراحل في تقدم القضية لأن الحلول لم تكن على يدنا ولا باسمنا؟ وكم مرة غششنا الناس وجهدنا أن نريهم كل حسنة ظفر بها غيرنا سيئة شنعاء؛ وكل شر لبسناه عليهم سعادة الأبد؟

فنجحنا - لأمر يريده الله - وقال الناس لصاحب الخير: (أنت شرير لا يصدر عنك خير، الخير كله في حزب كذا، وقف عليه دون خلق الله أجمعين. . .)

كان هذا في الشام وكان مثله في كل قطر عربي، وهو ما نرى أشباهه في جميع مرافقنا، حيث كان تناحرنا، وتكالبنا وبالاً علينا جميعاً. نعم، هذا ما بلينا به في كل النواحي، في السياسة والإدارة، والحكم والدين و. . . الخ

حصرنا في أنفسنا الإخلاص وخدمة البلاد، لنتمتع بعرض زائل، وكتب الله علينا إثم كل مصيبة نزلت بالأمة من جراء أثرتنا وتدجيلنا، ونحن وأولئك جميعاً، لا نبلغ بعد ذلك كله،

<<  <  ج:
ص:  >  >>