عصرنا هذا عصر تجديد في كل شيء، وكان من الواجب علينا - معشر المسلمين - أن نجعل لطابع هذا العصر أثرا في مصحفنا، لأنه يحوي بين دفتيه أعز شيء عندنا، وهو القرآن الكريم الذي نسعد به في دنيانا وأخرانا، فلا يزال هذا المصحف يظهر بيننا بشكله القديم، لا شيء فيه إلا ما في هامشه من بيان أجزائه الثلاثين وأحزابه الستين وارباعها، وليس في هذا أثر للإخراج العلمي الذي يبذل في عصرنا عند إخراج الكتب البشرية، إذ تلحق بها أشياء كثيرة ترغب في الاطلاع عليها، وتساعد في الاستفادة منها.
ولا شك أن جمودنا بازاء ما يلزم لمصحفنا في عصرنا يخالف كل المخالفة حال سلفنا الصالح بازاء هذا المصحف، فقد كان القرآن الكريم مفرقا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في العسب واللخاف وصدور الرجال، وقد مات وهو على هذه الحال، فلما كانت وقعة اليمامة في خلافة أبي بكر أتاه عمر فقال له: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن. فقال له أبو بكر: كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر هو والله خير. ولم يزل يراجعه حتى شرح الله صدره لذلك، وأحضرا زيد بن ثابت فقال له: إنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن، أجمعه. فتتبعه زيد يجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى جمعه في صحف مكتوبة، ثم أخذها فأعطاها أبو بكر، وقد ائتمروا ما يسمون ذلك؟ فقال بعضهم: سموه السفر، فرد عليه بأن هذا تسمية اليهود، فكرهوه فقال بعضهم: رأيت مثله بالحبشة يسمى (المصحف) فاجتمع رأيهم على أن يسموه (المصحف)، وكان هذا أول تجديد في ترتيب المصحف وتسميته.
ثم اختلف الناس في قراءة القرآن على عهد عثمان، حتى أقتتل الغلمان والمعلمون بالمدينة، وكانوا قد قرءوه بلغاتهم على أتساعها فبلغ ذلك عثمان فجمعهم وقال لهم: عندي تكذبون به وتلحنون فيه! فمن نأى عني كان أشد تكذيبا وأكثر لحنا، يا أصحاب محمد، اجتمعوا فكتبوا للناس إماماً. فجمعوا أثنى عشر رجلاً من قريش والأنصار، فبعثوا إلى الصحف التي كتبت في عهد أبي بكر فأتوا بها، وكانت محفوظة في بيت عمر عند ابنته حفصة، فأعادوا كتابتها