على لغة قريش وحدها، لأن القرآن نزل أولا بلغتهم، ثم وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فلما حصل ذلك الخلاف رؤي أن الحاجة إلى تلك التوسعة قد زالت فاقتصر في كتابته على لغة واحدة، وكان هذا ثاني تجديد في ترتيب المصحف وكتابته.
ثم فسد اللسان العربي باختلاط العرب مع غيرهم بعد الفتوح الإسلامية، وظهر اللحن والتحريف في الألسنة وفي قراءة القرآن، لأنهم كانوا يكتبون بلا إعجام ولا شكل إلا قليلا، اعتماداً منهم على معرفة المكتوب إليهم باللغة، واكتفائهم بالرمز القليل في قراءة اللفظ، فلما ظهر ذلك الفساد أشفق المسلمون على تحريف ألفاظ القرآن، فوضع أبو الأسود الدؤلي من التابعين علامات في المصحف بصبغ مخالف لما يكتب به، فجعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف، وجعل علامة الكسرة نقطة اسلفه، وجعل علامة الضمة نقطة من جهة اليسار، وجعل التنوين نقطتين، وذلك في عهد معاوية، وكان ثالث تجديد في ترتيب المصحف وكتابته.
ثم وضع نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر نقط الإعجام بنفس المداد الذي كان المصحف يكتب به لتتميز الحروف المتشابه بعضها من بعض، وكانا تلميذين لأبي الأسود الدؤلي، وقد فعلا هذا بأمر الحجاج بن يوسف، وفي عهد عبد الملك بن مروان، وكان هذا رابع تجديد في ترتيب المصحف وكتابته.
ثم اخترع الخليل بن أحمد الشكل المستعمل الآن، لأن نقط الإعجام كانت تشتبه أحيانا بنقط الشكل، وإن كانتا تكتبان بصبغين مختلفين، وكان من الصعب وضياع الزمن كتابتهما بمدادين، فجعل الضمة واوا صغيرة فوق الحرف، وجعل الفتحة ألفا صغيرة، وجعل الكسرة ياء صغيرة، وجعل الشدة راس شين، وجعل السكون رأس خاء، وجعل همزة القطع رأس عين، وقد أتى بعد الخليل من اختزل في هذا الشكل وزاد عليه حتى صار في حاله المعروف الآن، وكان هذا خامس تجديد في ترتيب المصحف وكتابته.
ثم وقفت كتابة المصحف عند هذا الحد، إلا ما حصل من كتابتهم بهامشه بيان أجزائه الثلاثين وأحزابه الستين وارباعها، وهو عمل قليل النفع، ضئيل الفائدة، لا يدعو إليه إلا ما اعتدناه من العناية بالقرآن بالحفظ دون الفهم، فقسمناه إلى تلك أجزاء والأحزاب والأرباع،