تفيض الصحف الإنكليزية في التعليق على موقف الجامعات الإنكليزية من الدعوة التي وجهت إليها من جامعة تبنجن الألمانية للاشتراك في عيدها الذي سيقام في يونيه القادم احتفاء بانقضاء مائتي عام تأسيسها، فقد قررت الجامعات الإنكليزية كلها أن تعتذر عن قبول الدعوة وأن تقاطع هذا الاحتفال، ويقولون إن الجامعات الأمريكية قد تحذو حذو الجامعات الإنكليزية في هذه المقاطعة. وقد كان لهذه المقاطعة العلمية وقع عميق في ألمانيا. وقد شرحت الصحف الإنكليزية موقف الجامعات الإنكليزية، فقالت إنه لا يرجع إلى أية بواعث سياسية، ولا يرجع بالأخص إلى أية خصومة نحو ألمانيا أو الشعب الألماني، ولكنه يرجع إلى بواعث علمية محضة، ذلك أن ألمانيا الهتلرية قد أخضعت العلم للسياسة وبالغت في اضطهاد الفكر، وجعلت من الجامعات الألمانية أدوات للدعاية السياسية والجنسية، وسحقت بذلك هيبة العلم وثلت تراث الجامعات الألمانية، وقد كانت في مقدمة جامعات العالم صيتاً وهيبة؛ ولم تبق الجامعات الألمانية كما كانت قبل قيام الحكم الهتلري منابر الإعلان الحقائق العلمية، بل غدت منابر لبث النظريات العنصرية والسياسية والجرمانية الجديدة وتسخير الحقائق العلمية لخدمة مزاعم سادة ألمانيا الجددَ ومبادئهم المفرقة. وقد علقت مجلة (سبكتاتور) الإنكليزية على هذا الحادث بمقال رنان استعرضت فيه حالة التفكير الألماني الحاضر وما انتهى إليه في ظل الطغيان الهتلري من الانحلال، وأشارت بهذه المناسبة إلى ما صرح به وزير المعارف الألمانية في العام الماضي في الاحتفال بعيد جامعة هيدلبرج، من (أن العلم الألماني الجديد يرفض المبدأ القائل بأن شرف العلم وغايته ينحصران في البحث عن الحقيقة دائماً)؛ وأشارت إلى ما وقع في العهد الحاضر من تخريب الجامعات وتشريد الأساتذة بسبب كونهم من اليهود، أو لأنهم من خصوم النظام الحاضر حتى بلغ ما طرد منهم في الأعوام الثلاثة الأخيرة أكثر من ألف وسبعمائة أستاذ بينهم فطاحل العلم الألماني في كل فن وضرب.
وهذه أول مظاهرة دولية عالمية خطيرة ضد ألمانيا الهتلرية وسيكون لها بلا ريب مغزاها العميق في الحكم على المبادئ والمزاعم المفرقة التي تتخذها ألمانيا النازية شعاراً لها