للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بعد حوادث النمسا]

النمسا الجمهورية في خمسة عشر عاما

٣ - الحرب الأهلية وما بعدها

للأستاذ محمد عبد الله عنان

أخذت الحياة البرلمانية في النمسا تنحدر منذ أوائل العام الماضي إلى معترك من الصعاب والعواصف، وألفت حكومة الدكتور دولفوس نفسها في مأزق صعب. ولم يك ثمة بد من أن تنتصر المعارضة - أعني الديموقراطية الاشتراكية - إذا تركت الأغلبية البرلمانية في سبيلها وخصومتها، أو تتوسل الحكومة لبقائها بوسائل أخرى. ولكن وقعت في يوم ٤ مارس أزمة برلمانية الفت الحكومة فيها فرصتها ووسيلتها، وذلك أن مناقشة عاصفة حدثت في البرلمان في ذلك اليوم حول تصرف نائب اشتراكي اتهم بأنه وضع ورقتين في صندوق التصويت، واشتد القذف والاتهام والهرج من الجانبين، فاستقال الدكتور رنر رئيس المجلس واستقال الوكيلان، ومن ثم غدا انعقاد المجلس مستحيلاً، إذ لا يستدعيه للانعقاد طبقا لنص الدستور سوى الرئيس أو أحد وكيليه؛ وقدمت الوزارة استقالتها للرئيس ميكلاس فأبى قبولها، وفوض لرئيسها ان يعمل بقوانين الطوارئ، وبذا اتخذت الوزارة صبغة دكتاتورية، واستطاعت أن تصدر بعض القوانين الاستثنائية التي رأت ان الحاجة تدعو إليها مثل رقابة الصحافة، ومنع الاجتماعات والمظاهرات السياسية الخطرة على النظام؛ بيد ان الوزارة ما لبثت أن اضطرت أن توجه كل جهودها لمقاومة خطر آخر. أخذ يشتد شيئاً فشيئاً وينذر مصاير النمسا بشر العواقب؛ ذلك أن الوطنية الاشتراكية الألمانية أخذت منذ استيلائها على مقاليد الحكم في ٣٠ يناير (سنة ١٩٣٣) تتدخل في شئون النمسا بطرق ووسائل عديدة، وبث الدعاة الهتلريون في جميع أنحاء النمسا دعوة شديدة لتحقيق مشروع الاتحاد النمسوي الألماني (الانشلوس). وضم النمسا لألمانيا كما نعلم غاية جوهرية من غايات الوطنية الاشتراكية الألمانية سجلت في برنامج الهر هتلر منذ إنشاء الحزب الوطني الاشتراكي، وعبر عنها (بتحقيق وحدة الشعوب الجرمانية)، وقد شرحنا فيما تقدم كيف نشأت فكرة اتحاد النمسا مع ألمانيا وتطورت. وكانت الفكرة ما تزال قوية في النمسا

<<  <  ج:
ص:  >  >>