لدى الكتلة المحافظة حينما ظفرت الوطنية الاشتراكية بتولي الحكم في المإنيا، ولم يكن يعارضها سوى الاشتراكيين الديموقراطيين؛ ولكن السياسة العنيفة الهوجاء التي اتبعتها حكومة برلين إزاء النمسا، كانت كما قدمنا سبباً في انهيار مشروع الوحدة، وكشف عدوان الوطنية الاشتراكية وصلفها وتجنيها في الحال للشعب النمسوي عن فداحة الخطر الذي يهدد استقلاله وكيانه، وأيقن ان هذه الوحدة لا تعني في نظر برلين سوى خضوعه وعبوديته، وثارت حكومة فينا ومن ورائها الشعب كله ضد هذا التجني، وأبدى الدكتور دولفوس حزما وصرامة في قمع الدعوة الوطنية الاشتراكية التي تنظمها حكومة برلين وتمدها بالمال والنصح، وأجاب الهتلريون بتدبير سلسلة من الاعتداءات والحوادث الجنائية، ولا سيما في فينا وسالزبرج (شهر يونيه). وأجابت حكومة برلين على ذلك بمنع السياح الألمان من زيادة النمسا، وفرضت غرامة فادحة للتصريح بهذه الزيارة، وساءت العلائق بين فينا وبرلين إلى أعظم حد، وشغلت وزارة دولفوس بذلك الخطر الجديد الذي يهدد أمن النمسا وسلامتها، ولم تدخر وسعاً في مقاومته، وأيدها في ذلك خصومها الديموقراطيون الاشتراكيون لأنهم أدركوا الخطر الذي يهدد الديموقراطية إذا ظفرت الوطنية الاشتراكية في النمسا؛ وعمد الدكتور دولفوس إلى العمل السياسي، فزار رومة ولندن وباريس ليثير قضية النمسا باعتبارها مسألة أوربا الوسطى، وليبين أن استقلاها مسالة دولية تهم قضية السلام الأوربي كله؛ فنجحت مساعيه في هذا الشأن؛ واستطاع أن يغنم مؤازرة دول الحلفاء ضد السياسة الألمانية، وأن يحصل على تعديلات هامة في النصوص العسكرية لمعاهدة سان جرمان، إذ سمح للنمسا أن تزيد جيشها ووسائلها الدفاعية؛ وتولى الجنرال فاجوان وزير الحربية وزعيم الحزب المسيحي الاشتراكي (بعد وفاة المونسنيور سيبل) تنظيم القوات الجديدة، ونظم قوات الهايمفر أيضاً لتعاون في تأييد النظام، واستطاع الدكتور دولفوس بكثير من الحزم والشجاعة والجلد أن يحبط تحريضات الدعوة الألمانية ودسائسها، وكاد يفقد حياته في ذلك السبيل، إذ أطلق عليه الرصاص من أحد الدعاة الهتلرين وأصيب إصابة خطيرة (في ٣ أكتوبر) ولكنه نجا، ولم يزده الاعتداء سوى شجاعة وإقدام في مقاومة الخطط والدعوات الهتلرية ومطاردة أنصارها في جميع أنحاء النمسا.