في أثناء هذا الصراع كانت الديموقراطية الاشتراكية ترقب مجرى الحوادث. وكانت الخصومة الخالدة بين الديموقراطية والكتلة المحافظة (الاشتراكيين المسيحيين والهايمفر) ما تزال قائمة، ولكن الديموقراطيين الاشتراكيين كانوا يؤيدون الحكومة في قمع الدعوة الوطنية الاشتراكية، ويشتركون معها في خصومة الجبهة النازية (الوطنية الاشتراكية) لأنها خطر فادح على مثلهم وكيانهم، بيد أنهم لم يهادنوا الحكومة في غير ذلك، ولم يتركوا فرصة لمعارضتها والعمل على إسقاطها؛ وكانت الحكومة من جانبها تخشى خطط الديموقراطية ومفاجآتها، خصوصاً مذ تذرعت بالسلطة الدكتاتورية، ورفضت إجراء الانتخابات وإعادة الحياة النيابية، كانت المعركة دائمة مستمرة بين الجبهتين اللتين تشغل خصومتهما حياة الجمهورية منذ قيامها، ولكنها كانت في الأشهر الأخيرة معركة تربص وأهبة، وكان من الممكن بل من الطبيعي أن يقع الصدام بينهما من آن لآخر، كما وقع دائماً خلال الأعوام الأخيرة، بيد أنه لم يكن يتوقع أحد أن تضطرم بينهما معركة الحياة والموت في مثل هذه الظروف العصيبة، ولم يكن يتوقع أحد بالأخص أن تلقى الديموقراطية النمسوية حتفها في تلك المعركة وأنت تختفي من ميدان الحوادث بمثل هذه السرعة.
ولقد شهدنا منذ أسابيع قلائل فقط تلك المعركة الهائلة وتتبعنا حوادثها السريعة بمنتهى الروع والدهشة؛ كانت مفاجأة لم تتضح حتى اليوم ظروفها وبواعثها الحقيقية. ونكتفي بان نقدم هنا خلاصة وجيزة عن تلك الحوادث التي لا تزال ماثلة في الأذهان: ففي ظهر يوم الاثنين الثاني عشر من شهر فبراير، ذهبت سرية من رجال البوليس لتفتش دار العمل (مركز الديموقراطيين الاشتراكيين) في مدينة لنتز عاصمة النمسا العليا، فأطلق الجند الديموقراطيون (الشوتسبند) النار على البوليس القوا عليه القنابل فقتل عدة من رجاله؛
فأرسلت الحكومة في الحال عدداً كبيراً من الجند، ونشبت المعركة الأولى في لنتز بين الديموقراطيين وجند الحكومة، والظاهر أن هذا الحادث الأول كان إيذاناً بنشوب المعركة العامة. ففي نفس الوقت قطع العمال في فينا التيار الكهربائي فعطلت المواصلات، وأعلن الاعتصاب العام؛ وكان ذلك بدء الحرب الأهلية فأعلنت الحكومة القانون العسكري وحشدت القوات بسرعة البرق في كل ناحية، ولم يأتي المساء حتى كانت مدينة فينا تضطرم بلظى معارك هائلة؛ وتحصن رجال الشوتسبند في مساكن العمال الكبرى، ولا سيما في كارل