. . . أطلت الأم من النافذة، ومدت طرفها إلى الطبيعة الهادئة الساكنة وتمنت لنفسها الطمأنينة والسكينة. وكادت أن تتمتع بهما لولا ابنها الوحيد الذي أخذ يتقلب على سرير الحسرة والألم بعند ما فقد الأمل والرجاء من مليكة قلبه ومسرة روحه التي كانت هدفه في هذه الحياة. . .
إنه شاب في مقتبل العمر. . . دغدغ الحب بأنامله الناعمة أوتار قلبه لأول مرة، شأن كل شاب عندما يفتح عينه لحياة جديدة. . . حياة الحب. . . فيلمس أن قوته تنهار ويشعر أن عزيمته تهن أمام هذا الهيكل الجبار الذي لم يدع قلبا من الجنسين إلا توغل فيه واستقر في إحدى زواياه هادئا. . . مستكينا. فلا يشعر المصاب به إلا بعد ما يفارق حبيبه. . . عندئذ يحس كأن كابوسا جثم فوفه فملك عليه حواسه. .
ولم يطل مكوث الأم أمام النافذة حتى أحست أن ابنها الوحيد (ولهلم) قد استيقظ من سباته العميق. . . وابتعد عنه ذلك الكابوس الذي استولى عليه سواد الليل. . . ولم يفارقه بالرغم من المحاولات التي بذلتها نحوه. .
وسارت إليه بخطى وئيدة واقتربت منه وأقتعدت كرسيا بجانب السرير وسألته بصوت ملؤه الحنان والرأفة بعد ما أوشك الدمع أن يطفر من عينيها الذابلتين:
أي بني. . ألا يمكنك أن تنهض؟ ها هو الصباح قد تغلب على ظلام الليل بجيوشه البيضاء. .
ها هو قد أخذ يلوح لنا بشعاعه الرقيق. لنا نحن التعيسات حيث نشارك الليل مخاضه. . . وقلوبنا تقف حائرة بين أضلعنا. . لا ندري ما يخبئ لنا الدهر. وما يضمره الغد.
ها هي تباشيره تبدو على الأفق البعيد. . . ألا يمكنك أن تخرج معي (يا ولهلم) ألا تستطيع أن تشارك الطبيعة بهذا اليوم. .؟ أنه يوم مفعم بالمسرات والمعجزات. . . فهو عيد الآلهة