إليك أعتذر، أيها الغزالي، فما كنت أحسب أن السياسة ستجني علينا كما جنت عليك - حصار مزعج! - اللهم اجعل هيكل باشا هو الدكتور هيكل - عواطف نبيلة من شعب نبيل
إليك أعتذر، أيها الغزالي!
في سنة ١٩٢٢ كنت أقضي أكثر الوقت في تحرير كتاب (الأخلاق عند الغزالي) وكان ذلك في أعقاب أعوام شداد واجهت بها نار الثورة المصرية، واكتوت يدي بلهب الجدل والصيال حول المطالب الوطنية، فأثر ذلك في عقلي وتفكيري إلى أبعد الحدود، وحملني ذلك التأثير على السخرية من اعتزال الغزالي للمجتمع السياسي وابتعاده عن الضجيج الذي كانت تثيره الحروب الصليبية في ذلك الحين
ثم مرت أعوام راضني فيها الدهر بعد الجموح، فعرفت أن الغزالي لم يكن من الجبناء، وإنما كان من الحكماء
وهل أخطأ أبن خلدون حين نهى العلماء عن الاشتغال بالسياسة؟ وهل أخطأ محمد عبده حين استعاذ بالله من مادة: ساس يسوس؟
دلوني على رجل واحد غمس يده في السياسة ثم سلم من الأقاويل والأراجيف؟
لا بأس من تجريح الرجل الآثم، ولكني أستطيع أن أذكر عدداً من الرجال أهينوا في السياسة بغير حق. وأعجب من ذلك أن أستطيع الإشارة إلى عدد من الرجال أهينوا بسبب الانسحاب من ميدان السياسة، فهي عقرب تلسع بلا تمييز بين الغويِّ والرشيد
إن أقطاب السياسة في مصر هم عيون الأمة من الوجهة القومية، وهم أيضاً من الأقطاب في ميادين العلم والأدب والذكاء، ولكن ما نصيب الأديب من الاستفادة بعقول هؤلاء الزعماء؟
الريبة تلاحقك إن فكرت في زيارة هذا الزعيم أو ذاك، والشبهات تحيط بك إن رأيت أن تزود عقلك بمعرفة أهل زمانك فتزور الأندية السياسية من وقت إلى وقت، وسمعتك غرض رجيم لأهل الظنون إن طاب لك أن تحفظ الأدب مع أقطاب عصرك فتؤدي واجب التهنئة أو واجب العزاء في بعض الظروف