إذا كان الجسم الجميل هو الجسم الذي به فضول، فما هو الفضول الذي يعيب الأجسام؟
الفضول في تعريف عاجل هو الزيادة عن الحاجة. ونعود فنسأل: ما هي الحاجة؟. أن الجسم قد يحتاج إلى الصحة، وقد يحتاج إلى الحركة، وقد يحتاج إلى الظهور، وقد يحتاج إلى الخفاء، فكيف نعرف الحاجة التي يتعلق بها الفضول ثم يتعلق بها النظر إلى الجمال؟
نقول في تعريف عاجل أيضاً: أن الحاجة إلى إنجاز (الوظيفة الحية) في تكوين الأحياء
فالزرافة لها عنق طويل لا نستقبحه إذا رأينا هذا الحيوان، ولكنا لو رأينا عنق الزرافة على جسم حصان لقلنا أنه حصان قبيح مشوه مختل التكوين؛ والتشويه والجمال ضدان لا يجتمعان
يسأل سائل فيقول: إذن يرجع الجمال إلى المنفعة؟ إذن نستطيع أن نقول إن العضو الجميل هو العضو النافع على وجه من الوجوه؟
ونسرع فنقول: لا. أن الجسم النافع ليس هو الجسم الجميل في جميع الأحوال، بدليل أن هناك حيواناً أجمل من حيوان، فلماذا يكون الحصان مثلاً أجمل من الزرافة أو تكون الهرة مثلا أجمل من الفار إذا كان المرجع في نظر الجمال إلى منفعة الأعضاء؟
كل عضو في حيوان فهو نافع لذلك الحيوان، وعنق الزرافة نافع لها لأنها حيوان يعيش في الغابة ويختار من لطائف الشجر كل ما ارتفع في الأغصان. ولكن لماذا كان عنق الحصان أجمل من عنق الزرافة؟ ولماذا كان الحصان في جملته أجمل من الزرافة في جملتها، وكانت حركة الحصان أجمل من حركة الزرافة في السرعة أو المهل؟
ذلك أن مرجع الأمر في نظر الجمال إلى شيء غير المنفعة للحيوان أو لمن يستخدم ذلك الحيوان
مرجع الأمر إلى الحرية كما بينا في مقالات كثيرة سبقنا بنشرها قبل سنوات
فكلما كان الجسم أقل ضرورة وأكثر حرية كان أقرب بذلك إلى الجمال؛ وعنق الزرافة يفيدها بالغابة، وليس هذا هو الشأن في عنق الحصان فأنه لا يفيده بمكان. فهو من ثم أجمل من الزرافة في هذا الاعتبار