وإنما نرجع إلى (الوظيفة الحية) لنعلم أن الطول أو القصر في جزء من أجزاء الحيوان ليس بطول تشويه ولا بقصر تشويه، لأن التشويه الجمال لا يتفقان
فأنت إذا رأيت عنقا طويلا على كتفي زرافة لم تحسب أنها زرافة شائهة أو زرافة ممسوخة؛ ولم يمنعك إذن مانع التشويه أن تحسبها (زرافة جميلة)
أما إذا رأيت هذا العنق كما هو على كتفي غزال، فانك معتقد فيه المسخ والتشويه على البديهة، ومعتقد من ثم أنه لن يكون على شيء من الجمال، بل هو نقيض الجمال
على هذا المعنى كان جسم الرجل أجمل من جسم المرأة، وإن صعب فهم هذا على بعض الأذواق التي تنساق بالغريزة، دون النظر إلى جمال المعاني وجمال الأوضاع
فمن رأى جسم المرأة رأى لأول وهلة أنه جسم ملحوظ فيه ضرورات كثيرة، وأنه منظور فيه إلى مخلوق آخر غير صاحبة الجسم التي لا تحتاج إلى ذلك التركيب، وهذا المخلوق الآخر هو أما الجنين الذي تحمله في أحشائها، وإما الرجل الذي ينظر إليها نظرة الاستحسان
فإذا قلنا إن العضو الجميل هو عضو يحمل نفسه ويخيل إليك أنه غير محمول على سواه فالمرأة كلها محمولة على تركيب حيوان آخر منعزل عنها، ولا بد أن يجوز على ما في تركيبها هي من معاني الجمال العليا
فيلاحظ في أغلب أجسام النساء طول الجذع واتساع المسافة بين الحرقفتين، وإنما يوجب ذلك أنها في حاجة إلى مكان الجنين ومكان خروجه بعد تمام حمله، وقل ذلك في النهدين والثديين، أو قل شبيهاً بذلك في ضيق الكتفين، فان قصر الكتف وضعفها لا يضيرانها في إنجاز وظائفها، فهي على هذا المعنى تنجز وظيفتها بزيادة في مواضع ونقص في مواضع أخرى منظور فيها جميعا إلى تركيب خارج عن تركيبها؛ ولن يبلغ الجسم حد الجمال الأقصى ما دام جماله معلقاً على شيء غيره؛ وما دام ذلك الشيء أولى بالملاحظة والتقديم في بعض الأحوال
لهذا يصعب التوفيق بين ضرورات الوظائف الحية وبين معاني الجمال المطلق في جسم المرأة
فالمرأة التي يقصر جذعها ويضيق حوضها هي جسم جميل؛ ولكنها قد تجور بجمالها على