تقدم العلم تقدماً نتج عنه انقلاب خطير في الأوضاع والمرافق، فقد غزا جميع نواحي الحياة صغيرها وكبيرها، جسيمها وتافهها، ودخل في الطعام والشراب، في الترف والنعيم، في الحقل والبيت، في الحرب والسلم.
وأصبحنا لا نعيش إلا في أجواء من العلم، ولا نسير إلا على طريقة تحيط بنا الاكتشافات وتكتنفنا الاختراعات، فآثار العلم بادية في كل مكان وأصوله متغلغلة فيما جلّ من الشئون وما هان.
سرِّحْ الطرف وأنظر ما أخرجه العلم من مميزات ومعجزات في عالم الصناعة والآلات، تجد أن العلماء استغلوا الطبيعة والكيمياء والهندسة وما إليها فأتوا بالكهرباء وقالوا لها كوني نوراً فكانت، كوني ناراً، كوني حركة فكانت المحركات تسير في ركابها القاطرات والساريات والطائرات كما تدير الآلات، تعمل ما يعمله الإنسان بيديه وما لا يستطيع، ولكن بقوة وعزيمة ودقة قاربت حدود الكمال.
ثم أتى إلى الأمواج اللاسلكية وجعلها رهن إرادته، فإذا المستحيل ممكن واقع، وإذا الإنسان يملأ بها الأجواء تحمل له الأنباء والأخبار والصور. وأتجه العلماء إلى الإنسان وجسده فتمكن العلم من كشف بعض أسرار الحياة وقواعد الصحة وأسباب الأمراض ووسائل العلاج فتفنن في صنع الأدوية والأمصال واستخرج من العفن البنسلين والفينيسيلين فأتى بالعجب العجاب من فتك بالجراثيم والأمراض وإبادة آثارها وما تتحفه من آفات.
ولم يقف الغرب عند هذه الحدود، بل أقام الزراعة والفلاحة والاقتصاد والتجارة والتعليم والسياسة على أساس من العلم فدانت هذه لمآربه وغايته ونجم عن ذلك تقدم مادي لم يخطر على بال إنسان.
وجاء بعد ذلك إلى الشرق فدرسه وخبر أحواله، ورأى أن من حقه استعماره واستغلاله، كما يستغل الأرض ويستعمرها، وهكذا كان وهذا ما هو جارٍ الآن فإذا الشعوب كالحديد والنحاس تستغل لحساب الأمم ذات القوة والبأس، وتُسَخَّر لمصالحها وغاياتها، ذلك لأن الغرب سارٍ على مقتضى العلم يستخدمه في الحياة والعمران بينما الشرق بقي بعيداً فلم