للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الرحلة إلى الحجاز]

قدح الزناد

للآنسة عزيزة توفيق

تعالى تهليل القوم وتكبيرهم إذ لاحت معالم جدة من بعيد؛ لقد مضى عليهم يومان وهم لا يرون إلا زرقة السماء والبحر. وعلا الوجوه بشر وصفاء، وابتسم خدم الباخرة في ارتياح، وأخذوا يهنئون الحجاج بسلامة الوصول، مؤكدين أنه سيكون حجاً مبروراً؛ فقد كانت آيات الرضا من الله تتجلى في الريح الرخاء التي صاحبت الباخرة طوال اليومين الماضيين.

ووقفت بنا الباخرة على مبعدة من الشاطئ، حيث بدت منازل جدة ومن خلفها الجبال ملتفة بأضواء الشروق أضفتها عليها شمس الصباح، فبدت في حلة أرجوانية.

وفي ابتهاج أسرعنا بالنزول إلى الزوارق البخارية التي أخذت تهدهدنا في رفق على صفحة الماء الساجي، حتى لحقت بنا أمتعتنا وسارت الزوارق مسرعة، يقودها حجازيون ذوو بشرة سمراء محمرة، تطل من وجوههم عيون تبرق نشاطاً وتصفو إيماناً. وكانت شرائط المياه البيضاء المتخلفة من انسياب الزوارق على صفحة المياه الزمردية تسرع خلفنا في وشوشة موسيقية رتيبة، وأحياناً يعلو عليها صوت الحجاج (لبيك اللهم لبيك). ووصلنا جدة!!

إذ ذاك طالعتنا لوحة فنية رائعة؛ تمثل مختلف الشعوب الإسلامية، لقد كانت لوحة الوجوه والأشكال؛ على رغم أن الجميع كانوا بملابس الإحرام. ووافانا من بين الجمع غلام يافع، يتدلى شعر رأسه الأسود في خصلات لامعة منسدلة على كتفيه، وقد علت تلك الخصلات قلنسوة (طاقية) مطرزة بألوان زاهية أكسبت لونه الخمري بهاء. أخذ هذا الغلام يجمع جوازات السفر ليؤشر عليها من المختصين، ومن ثم قادنا إلى حيث أقلتنا سيارات إلى مدينة جدة.

وجدنا جدة ثغراً جميلاً، ذا مبان فخمة تضاهي طراز البيوت في أية بلد متمدن. وبها منتدى (كازينو) يسميه الوطنيون (الثلاجة) ويديره جماعة من الحجازيين بملابسهم الوطنية، وهي عبارة عن مئزر مبرقش بجمعه حزام، أو جلباب واسع مشدود من الوسط بمنطقة من القماش، ويغطي رؤوسهم (لاسة) ينساب أحد طرفيها على قفاهم لتحميها وهج الشمس،

<<  <  ج:
ص:  >  >>