دخلت فمدت بولين دي لوزي إلى يدها. ثم لزمنا الصمت حينا. وكانت قد ألقت في شيء من الإهمال على أحد الكراسي طرحتها وقبعتها من الخوص.
وفتحت على المعزف صلاة أورفيه. ثم دنت من النافذة، ونظرت إلى الشمس تهبط في الأفق الدامي. فقلت لها آخر الأمر، أتذكرين الكلمات التي نطقت بها منذ عامين يوما بيوم، في اسفل هذا التل، وعلى شاطئ هذا النهر الذي تديرين إليه عينيك الآن؟ أتذكرين أنك، وأنت تديرين حولك يدي المتنبئة، قد أريتني معدما أيام المحنة، أيام الجرائم والهول؟
لقد وقفت على شفتي إعلان حبي إليك وقلت:(عش، وجاهد في سبيل العدل والحرية!) سيدتي، لقد مضيت جريئا منذ دلتني على الطريق يدك التي أغمرها كما كنت أحب بالدموع والقبل. لقد أطعتك، فكتبت، وخطبت. أنفقت عامين أجاهد في غير هوادة أولئك الأغمار الجياع الذين ينشرون الاضطراب والبغض، والزعماء الذين يسحرون الشعب بهذه المظاهر العصبية يصورون بها حبا كاذبا، والجبناء الذين يضحون في سبيل الفوز القريب.
فاضطرتني إلى الصمت بحركة من يدها وأشارت أن استمع! هنالك سمعنا في ثنايا الهواء العطر، هواء الحديقة حيث تصدح الطير، صيحات بالموت تأتي من بعيد:(إلى المشنقة أيها الأرستوقراطي! ليوضع رأسه على الرمح!).
وكانت شاحبة، ساكنة قد وضعت إصبعا على فمها.
قلت، إنما هو الطلب يجد في أثر أحد البائسين. فهم يهاجمون الدور ويقبضون على الناس نهارا وليلا في باريس. ولعلهم يدخلون هنا. يجب أن أنصرف حتى لا أعرضك للشر. فمع أني لا أكاد أعرف في هذا الحي، فأنا في هذه الأيام ضيف خطر.
قالت: أقم!
وللمرة الثانية مزقت الصيحات الهواء الهادئ في المساء. وكان يخالطها وقع الخطى وطلق النار. كانوا يدنون وكنا نسمع:(سدوا المنافذ، لا يفلت الوغد!)