أشتد الاتصال بين مصر والغرب منذ أوائل القرن الماضي بتعدد ضروبه، مع الزمن، وتشعِّب دروبه؛ فنمت نزعة المصريين إلى تقليد الغربيين، شأن الَّمتخلف المُستضعَف مع التقدم صاحب الشوكة والغلبة السياسية
وخرج العالم من الحرب الكبيرة الماضية ظمآن إلى التشييد والتجديد والتفوق، مبتلى بأنواع من الفساد وصنوف من الادعاء، وأدرك عندنا جيل نبت في أثنائها أو بُعيدها، واتسع أمامه ميدان التقليد في الضلالة والهدى؛ وكثر بيننا سالكو مناهجه ومدعو العلم والفن، والابتكار والعبقرية؛ فُوجد بطبيعة الحال مَن دعا إلى التجديد في الغناء والموسيقى، والى تقليد الغربيين فيهما، وأقبل عليه فريق من المشتغلين بهما
قام بعضهم بتقليد طائش وهم يحسبون انهم يحتذون مثال الغرب في فنه؛ وكان الأصوب والأجدى ألا يقلدهم إلاَّ من كان على قدر من المعرفة بفنهم، بماهيته الأصلية وأصوله وأنواعه، مع صحة الفهم لتعابيره، كي يكون في مأمن من تشويه ما في يده بأخلاط لا هي من هذا ولا هي من ذاك، كما صنع أناس لا يعرفون من الغناء والموسيقى جملة، إن عرفوا، سوى المقام وربع المقام وبعض النغمات ومواقعها على المعازف، وسوى أقيسة ما يغنون أو يعزفون من الألحان الشرقية والغربية
تورط هؤلاء في تخليط قديمهم المسيخ بما يسرقون ويحرفون من الألحان والموسيقى الغربية القديمة والحديثة، ومن أصوات (الجاز) وهم يسمون هذا الخليط الغريب من ألحانهم وغنائهم وموسيقاهم فناً وتجديداً، مع أن هذا الجديد موصوم بالعيوب المبينة في هذه الكليمات، ومع ركوده في قرار سحيق يبعد به كل البعد عن مستوى الفن الحقيقي الذي أوضحنا ماهيته الأصلية
فكل لحن من أكثر جديدهم ألف صنف (أو سلطة روسية - على استعارة في العامية الفرنسية للمجموع المشوَّش من الأشياء المختلفة) فقد تجد في هذه السلطة العجيبة عبارة صوتية ممسوخة من أوبرا، تتصل بأخرى من شارلستون، تعانق ثالثة من لحن دور عربي