تنتهي إلى نغم من تنجو أو رُمْبا، يتعليق بذنبه شئ من موسيقى (عشرة بلدي) وما ذلك إلا تنافر صارخ بين دلالات موسيقية على مدلولات تجمع غضبة مستفحلة - مثلاً - إلى خلاعة إلى بكاء إلى إيحاء شهوي، إلى ما لسنا نفهم في الغناء الجديد أو المبتكر، من أصوات يمطُّ ويمدُ فيها حرف أو أحرف مداً قلقاً في مواقعه، شاطاً خالياً من التناسب مضحكا في شذوذه؛ وتسمع منها جلجلات مستنكرة ينبو عنها الطبع، وخلخلات مستغربة غالباً، لوقوعها في مواضع ليست لها بين عويل ونواح طويل
واللحن البدِع في الغناء على ذوق الآن (الموضة: مركب أيضاً، بعضه شرقي وبعضه غربي، يولد مسخاً على سنة هذا المذهب الحديث حتى الأغنية العربية التي يلفقونها على أوزان لحن بأكمله من رمبا مشهورة أو تنجو معروف؛ إذ يدخلون فيه عبارات صوتية من ألحان غربية مباينة له وإذ تتنافر مدلولاته الصوتية ومعاني كلام الأغنية في أذن من يدرك اختلاف المقام المعَّين بالنص العربي، والمقام المعين باللحن خصوصاً إذا كان يعرف كلام الأغنية الغربية التي سُرق منها اللحن، فأبشع بهذا الفن الزائف!
الحق أننا لم نفهم غرض القائلين بأن الموسيقى الغربية أقدر من الشرقية الحاضرة، وبأنه يجب من أجل ذلك أن نحتذي على مثل منشئيها في موسيقانا؛ فلم نفطن لما يجمل بنا أن نقّلد فيه الغربيين، بل اعتززنا بفننا الضالّ، محدود الإحساس والمدى توهما منا أن موسيقانا أوسع مجالاً وأقدر بربع المقام الذي به نفاخر ونكابر، ومن قلت عرفته زاد اعتقاده المعرفة
كان الأحرى أن نقلد غناء الغرب وموسيقاه من حيث هما إجهار بالدلالات الصوتية في الكلام، أي لغة نغمية تعبر تعبيره عن خواطر القلب وأحاسيس النفس وجلاجلها، لأن تلك الدلالات مصداق القائل:
(إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا)
نعم، كان الأحرى أن نقلد غناء الغرب وموسيقاه من حيث هما يصفان ما يصف الكلام، ويتناولان مثله شتى الموضوعات من نواحي الحياة الإنسانية وظواهر الطبيعة ومظاهرها التي يتأثر منها الإنسان الحي في أحضانها، لأنهما يسايران دلالة اللفظ الصوتية، مفخمين لها بالإنشاء الغنائي وبالإنشاء الموسيقي، ويصفان مواقف المسرحيات التي تمثل الحياة من