الأوجه المختلفة وكان يحسن أن نقلد الغرب فيما ارتقت إليه موسيقاه من التصوير الذي عظم شأنه بالتحسين والابتكار في المعازف
ولقد رأى زوار معرض الموسيقى بمدينة فرانك فور الألمانية سنة ١٩٢٨ أن معازف الغربيين كانت تشبه معازف الشرقيين، وانهم ظلوا يحسنونها ويستحدثون غيرها حتى أصبحت آلاتهم الموسيقية متقنة، ميسرة للمنشئ الموسيقى أن يزوق سياق اللحن الأصلي بألوان من أصواتها تصاحبه وتنمقه وتؤنقه في تواؤم بينها وموافقة له، فتحجب بهذا التصوير كل وحدة مملة وكل اطراد مسئم. وقد يبلغ عدد العازفين في النوبة الكبرى زهاء مائة
ذلك كله هو الشيء الجوهري الذي يجب أن نعالج تقليد الغربيين فيه عسى أن يشبه فننا فن الأحياء في العبارة عن الشعور السليم والمدارك السامية، وإلا فما فضل ربع المقام الزائد؟ وماذا يفيدنا ونحن نقف جامدين به وبالمقامات والنغمات جميعاً عند موضوع واحد محدود ليس فيه غير المذلة البشعة، والحزن القتال، والشهوة الوضيعة؟ ولماذا نرضى بالجمود وليس في فطرتنا الشرقية شئ يمنعنا من التعبير الفني عن حركات ما أودعنا الخالق وأودع الغربيين على السواء من نفس بشرية واحدة وغرائز وملكات متماثلة؟
يعتذر بعض المغنين والموسيقيين عن عيوب فنهم بذوق الجمهور الذي يرتاح إليه ولا يقبل منه بديلاً. وهم على حق من حيث أنهم من هذا الجمهور وأنه يحتملهم، ومن حيث أن الذوق كالمثل الأعلى: ثمرة تنتجها عناصر عديدة منها الوراثة، والبيئة والتطور.
لكن حق كذلك أن من عوامل التطور تأثير البيئة في الأفراد وتأثيرها منهم، خصوصاً من الشخصيات القوية بينهم؛ فالفنان يؤثر في بيئته وجمهوره وإن تأثر منهما، ومن هنا نصيبه في تهذيب ذوق الجمهور وأعلاه مثله الأعلى بقدر مواهبه وسحر فنه، ومن هنا تبعة الفنون الضالة ومسؤولية أصحابها الخلقية في إفساد الأذواق
وحق أيضاً أن أولئك طلاب منفعة وليسوا بفنانين إلا مجازاً، لأن محب فنه لا يضحيه تملقاً للعامة وللجماهير، بل يقدسه قانعاً من الكسب بما يمسك الرمق. وإن شئت مثلاً لتقديس الفن فانظر كيف أن الموسيقار الفرنسي (بيزيه - منشئ موسيقي كرمن، الرواية المشهورة عند فنانينا منذ ألف الخلعي ألحان أغانيها العربية - لم يستسلم لذوق مواطنيه الفرنسيين، حين