كثر الكلام حول مسرحية (الملك أوديب) لتوفيق الحكيم، فأرجو ألا أثقل عليكم بعودتي إلى طرق أبواب الموضوع نفسه من جديد. فقد لفت نظري في التعقيب الذي عقب به توفيق الحكيم على مقدمة الترجمة الفرنسية للمسرحية ما يلي:
١ - قال الحكيم أن الإسلام يرفض فكرة الله المدبر لأذى الإنسان تدبيراً سابقاً دون مقتض أو جريرة. وقد شاء الحكيم لهذا السبب أن يوفق بين فكرة الأسطورة وبين روح الإسلام فجعل من رغبة أوديب في العلم بالحقيقة وبحثه المتصل عنها سبباً يدفع أوديب إلى الكارثة. أي أن الحكيم جعل الموجب للكارثة - كما يقول صراحة في ص ٢٦٧ - طبيعة أوديب ذاتها، طبيعته المحبة للبحث في أصول الأشياء الممعنة في الجري خلف الحقيقة. وهو يقول: إن رغبة أوديب في العلم بالحقيقة هي التي جرته إلى ما جره العلم الحديث على الإنسان الحديث ممثلا في (فرويد) عندما طفق يحفر في أعماق الإنسان إلى أن وجد أنه عاشق في الباطن لأمه. وقد استبدت بي الحيرة عندما قرأت هذا التعليل.
فلست أدري كيف استساغ كاتب فنان كتوفيق الحكيم أن يجعل من حب أوديب للحقيقة وسعيه وراءها إثماً يستحق عليه ذلك العقاب المنكر الفظيع، فإن حب الحقيقة والسعي وراءها - مطلقة كانت أو نسبية، عامة كانت أو جزئية - لدى أناس كالفلاسفة والعلماء هو الذي بث شهرتهم في الآفاق خلد ذكرهم في أعماق الأفئدة وألهج به الألسنة على مدى الأجيال والعصور.
ثم إنني لم أفهم كيف ارتضى الحكيم أن يشبه حالة أوديب أمام المأساة بحالة فرويد أمام حقائق النفس. فعندما طفق فرويد يحفر في أعماق الإنسان بحثاً عن الحقائق النفسية ووجد أنه عاشق في الباطن لأمه لم يكون هذه الحقيقة ولم يخلقها أو يوجدها بنتيجة سعيه وراء الحقيقة وإنما اكتشفها وقررها.
فالحقيقة التي اكتشفها فرويد كانت موجودة، ولكنها كانت مطمورة في أغوار النفس الإنسانية. ولكن أوديب عندما بدأ يبحث عن أصله وذويه لم تكن الكارثة أو الحقيقة موجودة، وإنما حدثت فيما بعد على يده. ولو ادعى الحكيم أن الحقيقة التي واجهت أوديب