الشاعر يعرفها له التاريخ ولكنه تعبير يترفع عن الإسفاف والضعة.
ولكن القصة مثلت امرأ القيس فتى داعراً لم تغيره الحوادث ولا عركته السنون ولا أصابه الوهن يتراءى في كهولته فتى في الثلاثين غزلا يتشبب بالنساء ويفرغ للكأس، عزباً يرنو إلى فاطمة حيناً والى ابنة قيصر حيناً آخر. . غير أن التاريخ يقول أنه تزوج من أم جندب بعد أن تزوجت فاطمة من أبي عنبسة وإن قصة تحكيم أم جندب فيما شجر بين امرئ القيس وبين علقمة الفحل قصة يعرفها كل من قرأ تاريخ الأمير الشاعر.
لست أنكر أن تاريخ العرب في الجاهلية مضطرب اضطراباً كبيراً لا تجمعه آصرة ولا تربطه صلة ولا يدعمه سند، ولكن فيه حوادث ثابتة أجمع المؤرخون على صحتها. وما كان للمؤلف أن يغفلها في مسرحيته، أو أن يضع شيئاً مكان شيء إلا أن تكون قد تضاربت الروايات.
وهكذا انضمت المسرحية على بعض المآخذ التاريخية منها: أن المؤلف جمع بين يوم دارة جلجل وبين حادثة عفو الملك حجر عن أسرى بني أسد. . . جمعهما في قرن في حين أن الحادثتين كانتا في مكانين مختلفين ويفصلهما زمان طويل. ومنها أن المؤلف أقحم صمصاماً في نهاية الفصل الرابع من المسرحية ليوحي إلى امرئ القيس بأن يطلب العون من قيصر الروم وليزين له الرحلة إلى القسطنطينية في حين أن التاريخ يجزم بأن السمؤال بن عاديا هو الذي مهد السبيل لامرئ القيس كي يبلغ بلاد الروم في أمان ويستقر هناك في هدوء. . . ومنها ما جاء في ختام القصة حين فر امرؤ القيس ورفاقه من القسطنطينية، وهذه حادثة لم نعثر لها على أصل في ما لدينا من مراجع إلا أن تكون قد حاكتها يد فنان بارع. وأنى لرجل من أعداء قيصر أن يفر من بين يدي جنده وحراسه وجواسيسه وهم يملئون أرجاء المدينة وشعابها؟ أما التاريخ فإنه يقول أن قيصر كان يخشى سطوة الأمير الشاعر فأهدى إليه حلة مسمومة فلبسها فأصابته القروح وتناثر لحمه ومات في أنقرة وهو في طريقه إلى حرب كسرى على رأس كتيبة من جيش عرمرم.
هذه - ولا شك - هنات هينات لا تضع من قيمة الجهد العظيم الذي اضطلع به القصاص الكبير الأستاذ تيمور.