الجوانب، يستلهما من حوادث التاريخ المضطربة المتداعية، فهذا عمل لا يتأتى إلا لمثله، وهو فتح عظيم في هذا المضمار الشائك.
وإن الحوار ليبلغ غاية القوة والإتقان في مواقف ثلاثة: في يوم دارة جلجل حين هبط امرؤ القيس على العذارى وهن يبتردن في الغدير. وفي تصادم الشاعر مع أبيه وهما إلى جانب ذي الخلسة، حين تصارعت قوتان: قوة الملك حجر الجبار القاسي وقوة الفتى البوهيمي الذي لا يؤمن بمقاييس الحياة المادية ولا يخضع إلا لشهوات عقله وجسمه. وفي موقف امرئ القيس من وفد بني أسد حين أقبلوا إليه يترضونه ويستغفرون لزلتهم أن ثار بعض صعاليكهم بأبيه الملك فقتلوه. . .
ولقد أراد المؤلف فأبان عن كثير من خصال الشاعر: فهو رجل عربيد داعر لا يرده الحياء ولا يمسكه الخجل فيقف على غدير دارة جلجل موقفاً مشيناً فيضطر العذارى إلى أن يخرجن إليه عاريات. . . وهو - في حادثة أخرى - يجلس إلى فاطمة ابنة عمه يغازلها ويغريها بأمر في الساعة التي علم فيها بمقتل أبيه حجر فترده فاطمة بقولها (أصبابة وهيام في مثل هذا المقام؟ لقد أفقدتك الخمر رشدك وهاجت في نفسك شجوناً ليس هذا حينها) ولكنه يجيبها في استهتار وخفة (إن الحب يا فاطمة لا يضرب له وقت موعد ولا يعين له حين. . . أحبك، يا فاطمة، أحبك في كل آن. . . ما ضرنا اليوم وقد زالت من طريقنا العوائق أن نحقق حلمنا القديم، يا طالما حالوا بيننا وبين وصالنا. أما الآن فلا حائل يحول). هذا - ولا ريب - كلام رجل لا يشعر بالعبء الذي يثقل كاهله؛ فلا هو أحس الحزن لمقتل أبيه ولا هو ارعوى فاحترم مصيبة ابنة عمه في أبيها وفي أبيه في وقت معاً.
وهو رجل متلاف لا يبقى على شيء مثلما قال خادمه حنظلة. . (أخبرني فديتك، ماذا بقى لهذا الأمير من جاهه وثرائه؟ أنه كما ترى لا يبقي على شيء. ولست أدري إلى أين ينتهي به وبنا المساق ألم يتنكر له أبوه فيغدو شريداً طريداً؟)
وهو رجل خال من الفحولة، فلقد غبر زماناً يدفعه الشوق إلى أقحوان الغانية، حتى إذا ظفر بها وخلا إليها خانته رجولته فارتدت الفتاة عنه مغيظة يبدو عليها النفور لتقول لرفاقه:(إن صاحبكم ليتشدق بالطعن والضرب، آخذا للحرب أهبتها في كل وقت، فإن حانت ساعة العراك تبوأ مقعده يرقب السماء ويحصي نجوم الليل). هذا تعبير قوي عن خلة من خلال