رحماك اللهم! ماذا فعلت؟. . . أين جلدي وأين رشادي؟. . . وكيف أداري خجلي حيال هذه الشعيرات المحترقة؟. . . وكيف أستمع لنجوى هذا الرأس الكبير الذي ظل - ستة وأربعين عاماً - ملتقى لتجارب الحياة، يحتفظ منها بما يشاء ويعتبر بما يشاء؟!. . . فهل حقاً خانني البصر وهل حقاً خانتني الإرادة؟. . . أو إن عمق إحساسي بالخجل والخيبة هو الذي كبر الهفوة لناظري وضاعف من أثرها في شعوري؟. . . والحق أني لم آت أمراً أشذ به عن سنة الطبيعة، بل لو كنت ذا فطنة لأيقنت من زمن طويل أنه ما من هذا المصير مفر. . . ألم ألق في مرتع الحسن الصبيح والشباب النضير أشهد نضجه واستواءه؟. . . فمن أين كانت لي قوة أصد بها نزوع القلب عن أن يجني من حصاد الهوى ما يروى به غلة فؤاد أضناه الترمل وعناه التوق إلى الأليف
وقد عرفت (فيفي) وهي في المهد بعد أن نورت الدنيا بأسبوع واحد، وكنت في ذاك الوقت في الثلاثين وأنتظر مولودا أيضاً. وأذكر أني كنت أوصى زوجي - ضاحكاً - أن تكثر من النظر إلى وجه طفلة جيراننا عل مولودنا المنتظر يقبس من روائها حسناً. ولم يكن يفصل بين الشقتين سوى ردهة قصيرة فجعلت الصغيرة - حين دعاها الداعي إلى تعلم الحبو والمشي - تقطعها حبواً ومشياً، فنمت رويداً رويداً تحت سمعي وبصري، لها منتهى ودي وحبي وحناني، بل لكأنها ما كانت تتحرك وتنمو إلا بالحرارة التي يسكبها حبي على قلبها الصغير. وزاد هذا الحب وتضاعف حين ابتلاني الدهر فسلبني زوجي ثم ابني الصغير، فعلقتها بجنون ووجدت فيها سلوه وعزاء. وأحبتها أختي - وكانت تقيم معي - فصرنا لها أباً وأماً. كان حسبي أن أنظر في عينيها الخضراوين أو أعابث شعرها الكستنائي أو ألبي نداءها فرحاً مسروراً إذا نادت (عمي حسن)، وكان أبوها يضاحكني فيقول:(ما عرفت كفيفي طفلة تحب عمها أكثر من أبيها!)
فيفي الصغيرة تلك هي التي أحببت فيها بعد حباً غير الحب الأبوي الأول. وإني لأتساءل متحيراً متى أحببتها هذا الحب الجديد؟ أو كيف تحول حناني إلى عاطفة قوية وشغف