الوثنية عبادة المحسوس المشخص، وعبادته تنطوي على تعدد المعبود أيضاً، لأن المشخص بحكم تشخصه محلى يحدده زمانه ومكانه. والأمكنة مختلفة والأزمنة متتابعة، ولهذا كانت آلهة الوثنيين متعددة. والجماعات الوثنية وإن اتفقت في عبادة ما في الطبيعة من أنهر وجبال وكواكب وأفلاك وغير ذلك إلا أن معبوداتها مع ذلك كانت مختلفة. لأن ما في طبيعة إقليم لجماعة يختلف بالشخص عما في طبيعة جماعة أخرى.
هاجم الإسلام الوثنية، وهاجم تعدد الآلهة ودعا الإنسان إلى عبادة إله واحد لا يعرف شخصه ولا نحد حقيقته، لأنه فوق الطبيعة وفوق ما فيها من أشخاص وجزئيات محددة. صنع الإسلام ذلك لأنه أراد للإنسان هدفا أسمى مما في عالمه. أراد أن يكون خضوعه وأن تكون طاعته لغير من يجوز عليه التغير والفناء. والمتغير الفاني ليس إلا أشخاص هذا العالم الذي نعيش فيه. أراد له هذا لأن خضوع الإنسان للمتغير الذي يعتوره الفناء معناه التقلب في الانقياد على نحو يجعل الإنسان مضطرباً في التوجيه في حياته، ومضطرباً في الغاية، وأخيراً مضطرباً في دوافع العمل والسلوك. فضلاً عن أن تشخيص المعبود يؤدي إلى تقليل قداسته أو التضييق من تعظيمه. وذلك بتوالي انكشافه وتعرفه. وإذا قلت القداسة وضاق نطاق التعظيم ضعفت الطاعة أيضاً أو تلاشت، وعندئذ لا تصلح القيادة أو لا توجد. ولذا كان غير المحدد هو وحده محل تعظيم الإنسان ومحل خشيته، وبالتالي إذا عبد نال من التقديس والطاعة بقدر خفائه وعدم الوقوف عليه من الإنسان
الوثنية وتعدد المعبود إذا متلازمان. والوثنية وتشخيص المعبود أيضاً وتشخصه، إلى عبادة إله وراء ما اتخذته من آلهة في الأرض أو السماء غير مشخص وغير محدد وقد تلقبه برب الأرباب أو بخالق السموات والأرض. وهي إن أفضت إلى هذا عدت شركاً لأنها أشركت مع الإله الذي يجب أن يعبد وحده، وهو الإله الطبيعي، آلهة أخرى تعد في ملكوته وتصرفاته؛ أشركت مع الإله الذي لا يحد ولا تدرك حقيقته آلهة أخرى محددة مشخصة.
فمهاجمة الإسلام للوثنية ومهاجمته للشرك، ومهاجمته لأهل الكتاب الذين حرفوا الكلم عن