أما صاحب القلب المسكين فتزعزعت كبده مما رأى؛ وجعل ينظر إلى هذه الفتانة تمثل زفاف العروس وقد أشرق فيها رونقها وسطعت ولمعت فبدت له مفسرةً في هذه الغلائل غلائل العرس؛ وما غلائل العرس؟
إنها تلك الثياب التي تكسو لابستها إلى ساعة فقط. . . ثياب أجمل ما فيها أنها تقدم الجمال إلى الحب، فأزهى ألوانها اللون المشرق من روح لابستها، وأسطع الأنوار عليها النور المنبعث من فرح قلبين.
تلك الثياب التي تكون سكباً من خالص الحرير ورفيع الخز، وحين تلبسها مثل هذه الفاتنة تكاد تنطق أنها ليست من الحرير، إذ تعلم أن الحرير ما تحتها. . .
ثم تنهد المسكين وقال: أفهمت؟
قلت: فهمت ماذا؟
قال: هذا هو انتقامها
قلت: يا عجبا! أتريدها في ثياب راهبة؛ مكبكبة فيها كما ألقيت البضاعة في غرارة، بين سوادٍ هو شعار الحداد على الأنوثة الهالكة، وبياض هو شعار الكفن لهذه الأنوثة؟
قال: أنت لا تعرفها؛ إن الرواية التي تمثل فيها بين الروح والجسم، هي التي احتاجت إلى هذا الفصل يقوي به المعنى؛ وكل عاشقة فعشقها هو الرواية التي تمثل فيها، يؤلفها هذا المؤلف الذي اسمه الحب؛ ولا تدري هي ماذا يصنع وماذا يؤلف، غير أنه لا يفتأ يؤلف ويضع وينقح كما تتنزل به الحال بعد الحال، وكما تعرض به المصادفة بعد المصادفة؛ وعليها هي أن تمثل. . .
قلت: فهذا، ولكن كيف يكون هذا انتقاما؟
قال: إن الأفكار أشياء حقيقية، ولو كشف لك الجو هذه الساعة لرأيته مسطوراً عباراتٍ عبارات كأنه مقالة جريدة. هذا الفصل حوار طويل في الهموم والآلام ورقة الشوق وتهالك الصبوة؛ لو كتب له عنوان لكان عنوانه هكذا: ما أشهاها وما أحظاها! إن الهواء بين كل عاشقين متقابلين يأخذ ويعطى. . .