من أبعد الأشياء عن الصواب أن نفهم الأدب على أنه كلام! وان نفهمه على أنه مواكب ألفاظ رنانة جميلة، ومعارض بلاغة تأخذ بالسمع وتخلب اللب، ويرقص لها الإنسان كما يرقص الزنوج - مثلا - على دقات الطبول!
ذلك فهم للأدب بعيد عن الصواب! كثر من البعد الذي بين المشرقين! وقد نسمعه من بعض الجاهلين فلا نلتفت إليه، أو نسمعه من غير رجال الأدب فنعده من باب الخطأ في فهم شيء لم تخذلوه ولم يدرسوه. أما نسمعه من رجال الأدب أنفسهم الذين قضوا في الأدب حياتهم، والذين نالوا حظاً من دراسة الأدب وفهمه، ومارسوا ممارسة عملية طوال حياتهم، فذلك خطر على الأدب شديد، وذلك انحراف للأدب عن منهجه الصحيح القويم، أو هي نكسة بالأدب إلى الوراء يوم كان سداه ولحمته اللفظ ولا شيء سوى اللفظ!
والذي يقرأ ما كتبه صديقنا الأستاذ محمد عبد الغني حسن في العدد الفائت من مجلة (الرسالة) عن المفاضلة بين (السلاح الصوال) وبين (اللسان القوال) لا يحسب مثل هذا الكلام يصدر إلا عن أحد اثنين: إما جاهل بطبيعة الأدب ووظيفته ومدى اتصاله بالحياة، وأنا أعيذ الأستاذ الصديق أن يكون ذلك الرجل. وأما عدو للأدب متحامل عليه ويحرف الكلم في وصفه عمدا لينال من مكانته، وليس الأستاذ الصديق ذلك الرجل بطبيعة الحال!
يقول الأستاذ (. . . ولكنني أرجو أن تحمد في امتنا الأفعال لا الأقوال) ويقول (فنحن اليوم إلى سلاح صوال، أحوج منا إلى لسان قوال)، ويقول:
هذه الأقوال لا تحمي شهيدا ... من ضحايا الحق، أو تشفي أواما
أطلقوا المدفع. . . لا حنجرة ... وارجعوا السيف في الحق احتكاما