للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فالأدب ليس كلاما لا طائل وراءه ولا نفع فيه، لأنه لا يحمي شهيدا ولا يرد غدرا ولا يحمي حقوقا ولا يرعى ذماما، بل أن الأدب يصنع كل ذلك واكثر جدا من ذلك. والكلمات كما يقول هازلت: (إنما هي أفعال فإذا تكلمت فقد فعلت!) والكلمات - كما يقول جان بول سارتر زعيم الوجودية - هي (أسلحة نارية مشحونة بالقذائف، وان الإنسان إذا تكلم فقد أطلق!) وليست الكلمات - كما يقول سارتر أيضا - (نوعا من النسيم يتوهمه أصحاب نظرية الأسلوب البحث يجري على سطح الأشياء فيسميها خفيفا دون أن يغير شيئا فيها) وأنا أسأل الأستاذ لماذا يكتب الكاتب؟ أيكتب ليسجل خواطره الخاصة لنفسه حتى يمكنه استعادتها كلما عن له ذلك؟ لو كان الأمر كذلك لكفاه أن يخط بضع ملاحظات سريعة على الورقة يسترجع بها خواطره المستقرة في أعماق نفسه كلما شاء! لأنه سيذكر هذه الخواطر في يسر وسهولة كلما رجع إلى هذه الملاحظات السريعة، ولكن هذه الملاحظات السريعة ليست من الأدب في شيء، فلماذا أذن يكتب الأدباء؟

أن الأدباء يكتبون ليدعوا القراء - والقراء هم الحياة - إلى عمل من الاعمال، وليهيجوا في نفوسهم عاطفة من العواطف، وليؤججوا في قلوبهم الحقد والكراهية - مثلا - للأعداء، والحب والمودة للأصدقاء، والحقد والكراهية يؤديان بصاحبهما إلى عمل، والحب والمودة يؤديان بصاحبهما إلى عمل آخر! ألم تر إلى العرب الأقدمين كيف كانت القبيلة منهم تقيم الأفراح إذا ظهر فيها شاعر! لأن الشاعر في اعتبارهم هو حامي الذمار، والمدافع عن شرف القبيلة، والمتصدي بلسانه للاعداء؟ الم تر إلى الأوربيين كيف ماتت فيهم اليوم فكرة الفن للفن - مع أن الأدب عند أصحاب هذه النظرية ليس كلمات وألفاظا فقط؛ بل أنه ذلك وأشياء أخرى غير ذلك! - ماتت هذه الفكرة عند الأوربيين اليوم، وأصبحت كلمة (الفن للفن) عندهم - وهي ما يطلقون عليها (الفن الخالص) - مرادفة تماما لكلمة (الفن الفارغ)!!

أن الأدب يا سيدي هو كل شيء في الحياة الآن، أو على الأصح، هو كل شيء الآن، وعلى هذا الأساس يحمل مارنز الأدباء مسئولية ما يوجد في الحياة من رذيلة وقبيح واستعباد وظلم واستغلال وما إلى ذلك، ويجعلهم أول المسؤولين عن جميع هذه المفاسد قبل كل إنسان آخر؛ لأنهم الموجهون للدولة، والمرشدون للناس، والكاشفون للسوء، والدالون

<<  <  ج:
ص:  >  >>